"النسوة اللاتي..." رواية عن عالم ديستوبي.. والخلاص يبقى في الحب

2020-04-13

وجدي الكومي يبحث في روايته الجديدة عن ماء الحياة

سامح الخطيب

عندما تقسو القلوب ويستشري الفساد ويزداد العنف في "بلد المحيط" تنطلق رحلة بحث عن قصة حب حقيقية تعيد لأهل البلد إنسانيتهم وتنقذهم من سوء المصير، إنها رحلة يرسم ملامحها ويتتبّع مسارها الكاتب المصري وجدي الكومي في روايته “النسوة اللاتي…”.

رواية “النسوة اللاتي…” هي الخامسة في رصيد الكاتب المصري وجدي الكومي إلى جانب مجموعتين قصصيتين. وتنتمي الرواية إلى أدب الديستوبيا أو “المدينة الفاسدة”، وهو المصطلح الحديث المضاد لليوتوبيا “المدينة الفاضلة” التي طالما حلم بها أفلاطون والفارابي وتوماس مور.

وصدرت الرواية في 269 صفحة من القطع المتوسط عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع في سوريا.

 وتدور أحداثها في “بلد المحيط” وهو الاسم الوهمي الذي اختاره المؤلف للبلد الذي أصيب رجاله بالعقم وعجزت نساؤه عن ولادة المزيد من الأطفال للعالم، فتقرّر منظمة الأمم المتحدة إرسال مندوبها جون إلى هناك لتقصّي قصة حب ربما تكون هي طوق النجاة. ويصف جون بداية الرحلة “حين أجبرني رؤسائي على المجيء إلى هنا، سألتهم لماذا تهتمون بهذا البلد المنبوذ الواقع على المحيط، وتحاصره الصحراء من كل الجهات؟”، فقالوا “لأن العقم ضرب رجاله منذ فترة، وربما يكون الحب علاجا نافعا، ونرغب في أن نكون أول من يحضر لحظة الشفاء إذا تمت”.

تبدأ الرحلة من بيت شاهيناز، الشخصية الأسطورية التي يتجاوز عمرها المئة عام. لكن ملامحها ظلت لفتاة في العشرينات من العمر. تعرضت شاهيناز لحادث اعتداء جنسي مريع في أحد ميادين “بلد المحيط” ونبذها المجتمع، فعاشت حياة مأساوية وأصبحت تحمل لعنة تحل على كل من اقترب منها من الرجال، ومع ذلك يعتقد جون ومن أرسلوه أن عندها مفتاح قصة الحب التي ينشدونها.

الرواية بقدر ما تحمله من رؤية قاتمة للمستقبل، فإنها تُمعن في تأمّل مجريات الحياة وصراعاتها

"بلد المحيط" هو الاسم الوهمي الذي اختاره المؤلف للبلد الذي أصيب رجاله بالعقم وعجزت نساؤه عن ولادة المزيد من الأطفال

يقيم جون في بيت شاهيناز انتظارا لالتقاط أول خيط لقصة الحب. لكن العنف يندلع في “بلد المحيط” بعد تعامل دموي للسلطات مع اعتصام نسائي للمطالبة “بالاعتراف بالوباء، وإعلان عاصمة بلد المحيط مدينة غير صالحة للعيش، موبوءة، وتجميد أنشطة مؤسسة المجتمع المستقيم، ورفع وصايتها على رجال البلد ونسائه، وكفّ الزواج من دون رغبة الطرفين، وإطلاق سراح العوانس، وإيقاف إخصاء العزّاب، وإعادة المنفيين لمزارع الصحاري الواقعة خارج العاصمة”.

يتصاعد الصراع وتندلع “حرب الولادة” بين السلطات الحاكمة والميليشيا المسلحة التابعة لها من جانب وبين ميليشيا كونتها “النسوة اللاتي…”، وهنا يستنهض الكاتب أفكار القارئ.. اللاتي ماذا؟ ويبقى جون في “بلد المحيط” لكتابة وتوثيق كل ما يجري.

يسرد جون كل ما يجري في “بلد المحيط”، لكن على لسان أهله في شكل تقرير يأتي كل فصل فيه بصوت مختلف عن أصوات باقي الأبطال: المرشد السياحي ذهني وزوجته ياسمين، رجل الأمن السابق حسين المشرحجي، رئيس الوزراء السابق عزيز، زعيم المرتزقة بعل زبول، وأخيرا “س.ع الناجي” الرجل الوحيد الذي لم يصبه الوباء واحتفظ بماء الحياة.

بمرور الوقت يتعطل جهاز كمبيوتر جون وتنفد أوراق تدوينه ولا تنتهي حكايات “بلد المحيط”، لتأتي النهاية مخيبة للآمال سواء للقارئ أو لأبطال الرواية ذاتهم.

ورغم انتهاء الرواية تظل ثمة خيوط معلقة بين الخيال والواقع، فتبدو بعض الأحداث مُشابهة لوقائع شهيرة جرت في الحقيقة مثل حادث اغتصاب فتاة على سلم حافلة نقل عام بأحد أكثر ميادين المدينة ازدحاما، أو رئيس الوزراء الذي يُعاد تدويره أكثر من مرة وتلجأ إليه السلطة في أوقات الأزمات قبل أن تنبذه. لكن يبقى العمل في النهاية محض خيال.

كما أضفى المؤلف القليل من الفانتازيا على الرواية من خلال ابتكار شخصية شاكر، ذلك الكائن الشفّاف الهلامي الذي شارك في الحرب إلى جانب النساء، وكذلك الاستعانة بحكايات من الفلكلور الشعبي مثل قصة المصباح السحري ودمجها في الأحداث.

والرواية بقدر ما تحمله من رؤية قاتمة للمستقبل، فإنها تُمعن في تأمّل مجريات الحياة وصراعاتها وتطرح الكثير من التساؤلات عمّا يمكن أن يجعل “بلد المحيط” أو أي بلد آخر عرضة لمثل هذا المستقبل.

 وربما يظل مفتاح الحياة في مشاعر الحب.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي