حب مميت.. الصينيون ووجباتهم الغذائية الغريبة

2020-04-11

انتقال الفيروسات من الحيوانات البرية للإنسان أمر معروف في الأوساط العلمية وهو غير مقصور على الصين (دويتشه فيلله+الفرنسية)يرجح العلماء نشأة فيروس كورونا المستجد في أحد أسواق بيع لحوم الحيوانات البرية في الصين. وترجع جذور حب الحيوانات البرية في الصين إلى القرن الثالث قبل الميلاد! لكن كيف تغلل في الثقافة الصينية أكل لحوم هذه الحيوانات؟ وما المخاطر؟

في البداية يجب التأكيد هنا على حقيقة أن انتقال الفيروسات من الحيوانات البرية للإنسان أمر معروف في الأوساط العلمية، وهو غير مقصور على الصين. وبالتالي نؤكد على خطأ الأحكام المسبقة أو التنميط، وخطأ ربط الصين ومطبخها بالأمراض.

فلكل حضارة ومجتمع عاداته وتقاليده الخاصة، والأغذية التي تعد مقبولة في مجتمع معين قد تكن منفرة أو مرفوضة في مجتمع آخر. وكل تقاليد وثقافات المجتمعات والشعوب هي مقدرة وتحظى بالاحترام.

التفشي

بدأ تفشي فيروس كورونا في مدينة ووهان بالصين في ديسمبر/كانون الأول الماضي في سوق للأطعمة كان يبيع حيوانات برية بطريقة غير مشروعة، وتجاوز عدد الإصابات عالميا 1.6 مليون، والوفيات 100 ألف، والرقم في ارتفاع.

وأطلق على الفيروس اسم سارس كوف 2 (SARS-CoV-2)، وذلك لتمييزه عن فيروس سارس كوف (SARS-CoV) المسبب لمتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم (سارس) والذي انتشر في 2002-2003 وسبب 774 وفاة، غالبيتها في آسيا. وأطلق على المرض الجديد اسم كوفيد-19.

ويمثل انتشار فيروس كورونا أكبر تحد واجهه العالم منذ عقود، وأعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ الصحية العامة يوم 30 يناير/كانون الثاني الجاري، وأعلنت انتشار الفيروس جائحةً يوم 11 مارس/آذار الماضي.

وبعد انتشار جائحة كورونا في إقليم هوبي الصيني، والحديث عن انتقالها من الخفافيش إلى البشر، سعت الحكومة الصينية في نهاية فبراير/شباط الماضي إلى منع صيد ونقل وتجارة وتناول الحيوانات البرية، واستثنت من القرار حيوانات مثل اليمام والأرانب.


ليس مقصورا على الصين

يعد انتقال الفيروسات من الحيوانات البرية للإنسان أمرا معروفا في الأوساط العلمية، وهو غير مقصور على الصين. فبعد انتشار وباء سارس، اكتشف عالم الفيروسات الألماني كريستيان دروستن في 2008 وجود الفيروس في خفافيش ألمانية، وذلك في إطار تجربة معملية أجراها.

تكمن المشكلة في تناول لحوم هذه الحيوانات، وكذلك تدمير البيئة التي تعيش فيها، مما يجعلها تهرب لأماكن يسكنها الإنسان، مما يرفع من خطر نقلها للفيروسات التي تحملها إلى البشر.

لذلك تطالب إليزابيث ماروما مريما، وهي الأمينة التنفيذية للأمم المتحدة لأمانة اتفاقية التنوع البيولوجي، بأن يكون الاهتمام المشترك للبشرية هو إغلاق جميع أسواق بيع الحيوانات البرية من أجل "منع المزيد من الجوائح في المستقبل"، بحسب ما نقلته صحيفة غارديان البريطانية.

ولا تعد الصين الدولة الوحيدة التي يوجد فيها هذا الخطر، فمرض "إيبولا" في أفريقيا وفيروس "نيباه" في ماليزيا، انتقلا أيضا من الحيوانات البرية للبشر.

الكلاب

في مدينة يولين بجنوبي غربي الصين كان يقام منذ 2009 احتفال "لحوم الكلاب" في يوم الانقلاب الشمسي السنوي.

وتسبب ذلك الاحتفال في انتقادات شديدة للمدينة من المدافعين عن حقوق الحيوان، وهو ما أدى إلى منع يولين لبيع لحم الكلاب في 2017.

لكن منظمات حماية الحيوانات ما زالت تسجل حالات لتجارة وتناول هذه اللحوم، وهو ما يشير إلى المشكلة الأساسية في هذا الأمر: القوانين موجودة، لكنها لا تطبق دائما.

وتتعارض إجراءات منع أكل هذه اللحوم مع التقاليد الصينية، فالحيوانات البرية جزء من المطبخ الصيني منذ القرن الثالث قبل الميلاد.

وكان الفيلسوف الصيني "مينسيوس"، وهو يعد خليفة الفيلسوف الصيني الشهير "كونفوشيوس"، يتحدث في كتاباته في ذلك الوقت عن صعوبة اختيار أكلته المفضلة، فيقول "أحب أكل السمك، وأحب أكل أخفاف الدببة. إذا لم أستطع الحصول على الانين، سأختار أخفاف الدببة".

وتعتبر أخفاف الدببة من الأكلات المفضلة في التقاليد الصينية، وهي واحدة من ثماني أكلات صينية يتم استخدامها أيضا في الطب الصيني التقليدي منذ آلاف السنين.

ومعظم نتائج العلاج بهذه الحيوانات والنباتات تستند على خبرات الأشخاص، فلم يثبت أثر معظمها في الطب البشري الحديث.
وكان ممارسو الطب الصيني التقليدي يعطون هذا النوع من العلاج أسماء جذابة ومبشرة لتشجيع استعمالها، فمثلا إفرازات الخفافيش تسمى "يه مينغ شا" أو "كنز الرمال الذي يضيء في الليل"، لكن لم يكن من أسموه بذلك يعلمون مثلا أنه ينقل الفيروسات إلى الإنسان.

والقاعدة العامة لتلك المواد المستعملة في الطب التقليدي هي: كلما كانت نادرة، زادت شعبيتها، وهو الأمر الذي تظهره التجارة غير المشروعة لقرون الخرتيت.

مجاعات

لكن ما سبب رواج لحوم الحيوانات البرية؟ يرجع الفضل في ذلك لإمبراطورية تشينغ (من 1644 حتى 1919).

كانت شعوب "جورشن" التي سكنت منطقة منشوريا في ذلك الوقت هي من أدخلت لحوم الحيوانات البرية للمطبخ الصيني، بحسب ما ذكر عالم الإثنولوجيا الصيني واي شويهوا في كتابه عن أكل منتجات اللحوم البرية في الصين.

في هذا الكتاب يقتبس واي شويهوا من الرواية الكلاسيكية "حلم الغرفة الحمراء" من القرن الثامن عشر، مقطعا يحكي عن حفل ربيعي أقيمت فيه وليمة مكونة من ثلاثين ظبيا، وخمسين أيلا مسكيا، وخمسين غزالا، وعشرين خنزيرا، وعشرين ماعزا بريا، وعشرين زوجا من أخفاف الدببة، وخمسين رطلا من خيار البحر وغيرها من الأكلات الشبيهة.

بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية في 1949، شهدت البلاد فترة مجاعة استمرت لثلاث سنوات، تبعتها قرارات سياسية من مؤسس الجمهورية ماو تسي تونغ تسببت في موت 45 مليون شخص جوعا. في هذا الوقت الصعب كان الناس يأكلون أي شيء يجدونه.

 


رمز اجتماعي

بدأت نسبة الفقر في الصين تقل في السنوات الثلاثين الماضية بسبب النمو الاقتصادي السريع الذي شهدته البلاد. لكن على الرغم من تحسن الوضع الاقتصادي، فإن الإقبال على أكل الحيوانات البرية ازداد لأن الأمر أصبح رمزا على الوضع الاجتماعي المرموق.

في الوقت نفسه أصبحت الجهات التي تدير العمليات التجارية لهذه اللحوم تتمتع بالقوة الاقتصادية التي تمكنها من الاستمرار.

فعندما أعلنت مدينة شينجين عن حظرها تناول لحوم القطط والكلاب بدءا من مايو/أيار من هذا العام، كانت أعلى الأصوات المعارضة على منصات التواصل الاجتماعي هي أصوات منتجي لحوم الكلاب الذين اتهموا المدينة بـ"التنازل عن جزء جوهري من الثقافة الصينية".

ويبقى الأمل الوحيد هو تطبيق القوانين بحزم من جانب السلطات لمنع المزيد من الجوائح في المستقبل.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي