إبحار شعري في اليابسة

2020-04-04

مراكش- عبد الكبير الميناوي

بعد «أخيراً وصل الشتاء» (2004)، و«أنظر وأكتفي بالنظر» (2007)، و«نيران صديقة» (2009)، و«بيتٌ بعيد» (2013)، و«عودة آدم» (2018)، يعود الشاعر المغربي عبد الرحيم الخصار إلى قرائه بديوان شعري جديد، عن «منشورات المتوسط» بإيطاليا، تحت عنوان «القبطان البرّي».

في إصداره الشّعري السّادس، الذي تتوزعه 11 قصيدة، ينطلق الخصار من وضعية السؤال، لكي يقدم نفسه، معترفاً، في قصيدة «أنا هو»، بأنه هو القبطان: «هل رأيتِ صياداً يهرع إلى البحيرة - يترك الأسماك لحالها - ويرمي الشّباك ليصطاد الماء؟ - أنا هو - وهذه القبعة التي أضعها على رأسي - لا لتحميني من الشمس - بل لتحمي الشمسَ من أفكاري». قبل أن نقرأ له في قصيدة «حروب داخلية»: «لا بِحارَ ولا سُفن - لا قواربَ ولا مجاديف - لا صواري ولا مِرْساة. - أنا القبطان البرّي - أُخرج الخوف من دولابي - وأبحر كلّ يوم في اليابسة. - خطواتي أمواج - يداي شراعان - ونظرتي تُبيد القراصنة».

يُكرِّرُ الخصار اعترافاته في صيغة عناوين وجملٍ، نلتقي خلالها، كما جاء في تقديم للناشر، بـ«ظلال رجالٍ تبنّى الشاعر قصصهم، وتجاربهم في الحبّ، والخيبة، والمغامرة على حافّة أزمنة مُنهارة، وأمكنة تُبدِّلُ أشكالها، وكائناتٍ وأشياء؛ يستدعيها إلى قصائدهِ فتتحوَّل إلى ذاكرة حيّة، لها ماضٍ وتاريخ وحضور غارقٌ في التفاصيل»؛ ومن ذلك أن نقرأ له في قصيدة «رجل مخفور بالصخور»: «عائداً من حرب مع لا أحد - حيث الحطامُ فحسب هو ما يحفُّني - أخفي الدخانَ والحسرة في جيوبي - وأعبر الزقاق إلى نهايته - (..) - رجلٌ يرفع يديه إلى السماء - كأنما يريد أن يحضنَ غيوماً - لكنّ قدميه عالقتانِ في الوحل». أو في قصيدة «لن أَدْلقَ حياتي على كتفٍ غير كتفي»، حيث نقرأ: «أنا قشّة تِبنٍ في ممر قصي - تدوسها قدمٌ وتتألم - (...) - حفنة تراب في قبضة عاشقٍ مخذول - مفتاحٌ يرتعش في يد رجل سكران - أنا رسالة قديمة تعبر المحيطَ في زجاجة - ولا تصل - (...) - أنا كلُّ هؤلاء - وأنا لا أحد». أو في قصيدة «نافذة تسكر بالموسيقى»، حيث نقرأ: «لستُ الرجلَ الذي خذلته امرأة - ولا الرجلَ الذي خذلها. - أنا بائعُ العطر الذي وجد نفسه في حفلِ عزاء - الجندي الذي قتله صديقُه بالخطأ - العابرُ الطيّبُ الذي مات في عراك - لأن يدَهُ امتدَّتْ بين يدين هاجَتَا - أنا أيضاً الرجل الذي ينفخ في الساكسفون - ويبكي أمام امرأة صمّاء».

في تقديم الناشر، دائماً، سنقرأ عن قصيدة الخصّار «المنشغلة عن العالم بالاشتغال على ذاتِها، لكنّها سرعانَ ما تعودُ لتكتب العالم ذاتَه، وقد استلزمت من صاحبها لغة مُنسابة، كنهرٍ يمضي في الشّعاب، يظهرُ حيناً ويختفي حيناً آخر، لرؤيا العين فقط، لكنَّه موجودٌ وراسخٌ وله أن يسردَ لنا قصصَ زوارق مرّت، وأخرى غرقت، وثالثة تاهت، سيحكي لنا عن ضِفَّتيْه، وبحرهِ المآل. ولكنْ، أي بحرٍ هذا الذي يجعلُ الخصّار يُعنوِنُ كتابهُ بالقبطانِ البرّي؟ إنها يابسة المدينة، والشوارع والأمكنة اللّزجة التي تنهمرُ عليها الخطى». وزاد التقديم أن هذا «الانشطار المقصود في المعنى، يمنحُ القارئ، مساحة للتفكير جمالياً في الطريقة التي يكتبُ بها الخصّار قصائده، هناك حضورٌ لافتٌ للموسيقى، لآلاتها وعازفيها، وأصوات المغنّينَ المنسيّين في زوايا معتمة، ومدنٍ بعيدة، حيثُ هناك دائماً امرأة تأتي وتغيب، هناك صوتُها، هناك أيضاً السّاعاتي والقيثار الإسبانيّ، والموت الذي يؤكّد لنا أنَّ حبلَ الأيام قصير».

وتحدث لنا الخصار عن مجموعته الشعرية الجديدة، مشيراً إلى أنها تتكون من نصوص مركبة؛ كل نص له تيمة موحدة، منتهياً إلى أن «القبطان البري»، في النهاية، هو الشاعر نفسه، المحيط هو الحياة، والأمواج هي تعاقب الليل والنهار. أما السفينة فهي حيلته في مواجهة الحياة بتقلباتها اللا منتهية.

وتشكل الموسيقى تيمة أساسية، في ديوان الخصار الجديد، حيث يهرب بنا الشاعر، بعيداً عن ضجيج العالم، إلى موسيقاه، إلى ذوقه الخاص. كما نكون مع تيمة الكتابة، حيث يقف الشاعر عند أسباب الكتابة، وعند تمنعها، وصعوبتها، ليكتب كمن يشرب الخمرَ لينسى وكمن يشرب القهوة ليصحو. فيما يرصد في قصيدة «حروب داخلية» ما يعتمل من معارك في ذاته، حيث نقرأ له: «ليلكَ مؤلمٌ وجارح - مثل رسالة من أبٍ - إلى ابنهِ الوحيدِ الميّت».

أما في نص «الموتى ينتظرونني على الطوار»، فنجده يتعاطف مع موتى «ما عاد أحدٌ يطرق أبوابهم - وما عاد العشبُ ينمو في غرفهم كما كان». قبل أن يطلب من الموت أن يتمهل قليلاً حتى ينهي بعض ما يشغله: «تمهل أيها الموت قليلاً - إذا أخذتني اليوم إلى مغاراتك التي لا ضوء فيها - فمن سيصحو غداً - ليشبِكَ يديه بيدي طفله الوحيد - ويتناوبا معاً على الغناء - والصراخِ والصَّفير؟».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي