إسِبْرسّو .. وأشياء أخرى

2020-04-04

 فراس موسى*

أمشي خفيفاً كالسحابةِ عند منتصف الظهيرةِ

ساحباً ظلّي ورائي مثل كلبٍ..

أقصدُ المقهى

أسجّلُ ما ترى عينايَ..

أشجارٌ تمدُّ رقابَها نحو السماءِ

وبَحْرةٌ.. هي سرّةُ السّوق الطويلِ

ترقِّصُ الأمواهَ..

ترفعها إلى أعلى.. إلى أعلى

وتبلعها.. تعادُ اللعبةُ الأبديّةُ

الماءُ الملحِّنُ يُنهكُ الإيقاعَ.. يُدميهِ

متاجرُ تطردُ الوسن المقيمَ

تفكُّ أزرار النهار بِصَبْر فلّاحٍ

تُتمُّ طقوسَ زينتها المعادةَ والمملّةَ

تنجزُ المكياجَ كي تستقبل الزوّارَ

أعني كي تُراودهمْ..

حمامٌ لا يطيرُ هنا

حمامٌ لا يفكّرُ بالقيامةِ

فالقيامةُ من شؤون الله..

إنّ حمام أوروبا أنيقُ الخَطْوِ

من أهل الحظوظ الزنبقيّة والرياش

«حمامُنا أيضاً جميلٌ..

غير أنّ بلادَنا قد دثّروها

بالثياب العسكريّةِ والتعسّفِ والسجون»

أقولُ في ذاتي وأبني حسرةً

لا شيءَ يصحبني وأصحبهُ سوى ظلّي هنا

أختارُ كرسيّاً تبلّلهُ ظلالُ مظلةٍ جذلى

يضاجعها الهواءُ العاطفيُّ

هنا جلسنا قبل عدّة أشهرٍ

كانتْ عصافيرُ المساء تطوفُ حول جديلةٍ

آهٍ.. جديلتِكِ الوحيدةِ والفحيمةِ مثل راهبةٍ

وقلبي كان مخموراً

يدورُ كمَولويٍّ حولها..

الصيفُ قبلُ القادمِ.. الصيفُ الأخيرُ

جهنّماً قد كانَ..

كرباجاً بكفِّ الله ذاك الصيفُ كانَ..

وشَعْركِ العربيُّ كان مظلّتي

والوقتُ ليس يُهمُّ..

كان الوقتُ منسيّاً ومنبوذاً

ومنسيّاً تماماً مثل معتَقَلٍ

بلا عددٍ تصوّرنا بهاتفكِ الذكيّ

لكي نُسيّفَ روعةَ اللحظات والذكرى

ومثلّجاتٍ بالفانيلا قد أكلتُ أنا وأنتِ

وربّما في لحظةٍ.. من لَفْح ألفتنا

وجمرة حبِّنا الوهّاج ذابتْ..

قهوتي جاءتْ

تقدّمها على صينيّةٍ بنتٌ

من البلقان عيناها..

أقولُ لآخَري: إدفعْ لها البقشيشَ

أسهو.. ربّما من فرط رقّتها سهوتُ

أزاولُ التفكير.. أجمحُ في خيالي

درّةُ الطليان.. قهوتُهمْ إسِبْرسّو

تلهّثُني بخبرةِ مومسٍ

بتلذّذِ الأطفال أحسو قهوتي

سوداءَ مثل الواقع العربيّ كانتْ قهوتي

 

  • شاعر فلسطيني






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي