ثيمة الفساد في رواية "غيثة تقطف القمر" لزهور كرام

2020-03-14

نبيل المكي*

تنهض الرواية المغربية «غيثة تقطف القمر» للروائية زهور كرام، على محاولة امرأة، فضح الفساد الاجتماعي، عبر وقوفها في وجه شخصية من الشخصيات النافذة في الواقع المغربي، المرموز لها «بالسيد السيدا»، وإفراز هذا الفساد جملة من الاختلالات في المجتمع، منها إسهامه في تعرض شريحة من خريجي الجامعات وحاملي الشهادات لمختلف أَضْرُب القمع المتوج بالعطالة والهجرة السرية ”الحريك”، وقتل أفكار الشباب وحملهم على مغادرة الوطن، جراء الخيبات التي تلقوها من طرف مسؤولي البلاد، الذين يقضون مصالحهم وينهبون ثروات البلاد، ويستفيدون وحدهم مما تجود به من خيرات الواجهتين البحريتين، ومناجم الفوسفات، الذي لا يرى منه أبناء الشعب العريض شيئا، فضلا عن فتحه جسر زواج بنات المجتمع من أشخاص يقيمون في أقطار أخرى غنية لا يعرفون حقائقهم، بغية تحسين أوضاعهن الاجتماعية، وأوضاع عائلاتهن، وجعله ـ أي الفساد – من أبناء الوطن.. لا شك في أن الكاتبة عبر سردها تعمدت التقاط الجوانب الصارخة الفاقعة الدلالة في المجتمع، التي باتت تشغل الرأي العام، ونحتت أبطالها من أسفل الدركات، وهم الرعيل الغريب الذي نبذه المجتمع الفوقي النافذ (البورجوازي)، بسبب تحكمه في ميكانيزمات تسيير المجتمع ومؤسساته عبر فساده العتيد.

عبر شخصية غيثة؛ طبعا في علاقتها وباقي الشخصيات – استطاعت الرواية – أن تحتضن هموم المجتمع وتعري ملامحه الكئيبة، موظفة إحاطة فكرية عميقة مترابطة، نظمت من خلالها الظواهر الاجتماعية وانعكاساتها، وعملت على مواجهة الفساد بشتى وسائله، ابتداء بالفساد الإداري في مؤسسات الدولة، مرورا بفساد الصفحات الإعلامية، وصولا إلى فساد المؤسسة الأسرية القائمة على العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة، وتمكنت من رصد العلاقة الجدلية المعقدة بين الجنسين، وهو ما عبرت عنه الساردة/ غيثة بتخلي الزوج عنها، أول ما سمع أنها دخلت السجن، الأمر الذي كشف عن وجود أزمة وعي في فضاء اجتماعي يقمع المرأة ولا يعترف بها مهما تظاهر بالانفتاح، والتطلع إلى المساواة بين الجنسين. ولا جرم في أن الصوت الذي تحسسته غيثة حينما قالت: ”قبل أن أطرق الباب، وصلتني صرخة مؤلمة من بيت الجار” و”الجارة التي عانقتني وانجرفت في بكاء”، يشير إلى استمرار التحكم، واستمرار النزعة الذكورية الموروثة، مع تعنيف النساء في الأوساط الاجتماعية الشعبية. وعلى الرغم من كون الساردة لم تفصح عن حضور الزوج، فإن الصرخة ـ صرخة المرأة- عوضت غيابه، وأشارت إلى عنفه وقسوته، ومن هنا يندغم الذاتي بالاجتماعي ليكشف فداحة العلاقات في المجتمع، في قالب محكم جسده ذكاء الكاتبة، التي أدمجت الكل وفق محتوى اجتماعي صرف.

ولعل قصة الهجرة السرية ”الحريك” التي أوردتها الكاتبة في نصها، تعري هشاشة الوضع الاجتماعي الكئيب، الذي يعيشه الشباب، جراء العطالة، وتكشف خيبة الأمل التي يعاني منها خريجو الجامعات، وقد حاولت تقريب مرارة النكوص والتقهقر – عبر استحضار المكان وأثاثه – التي يحياها المهاجر غير الشرعي ولياليه السوداء، التي تمر عبر الترقب المستمر، والسمر على مناخ البحر وتقلباته، والمتحقق من خلال النص في: الكارتون المفترش، كأس الشاي البلاستيكي الأبيض، تغطية الجسد بالمعطف، هذا المكان الكئيب، هو الذي سينعم عليهم بالعيش الرغد إذا ما تمت الهجرة غير الشرعية/ الحريك بسلام.

 

يترتب عن هذا الفساد أيضا، انكسارات عميقة وصلت إلى حد الكمد المؤدي إلى النحافة تارة، فيدفن الإنسان نفسه حيا مع الهموم والانتكاسات، إذ اكتست هذه الرؤية الحادة أهمية بالغة بالنسبة إلى مضمون الراوية

 

فهذا الحريك، نحو أوروبا هو المُنقذ والمحقق لأحلام الشباب، ومخلصهم من الإهانة والعار المنوط بهم في دولتهم، والمجنب للانحناء والرضوخ لأي فاسد قد يكون ملأ جيبه من العهارة أو السرقة، وحقق الغنى والرقي والرفاه، رغم ما قد يتعرض له الشباب – أثناء الحريك – من انسلاخ من الجذور الثقافية، وتجريد من الذاكرة التي تسلبها مؤسسات الفساد، بتكديرها صفو العيش الطبيعي للفقراء، فهذا ”عُمَر” بعد ما عِيلَ صبرُه من الانتظار، والوقوف أمام البرلمان والنضال، وحضور التنسيقيات المختصة، يستجدي الحصول على وظيفة حكومية، كللت جهوده بمحاولة ركوب البحر، عسى أن يحقق ما حققه أقرانه الذين هاجروا إلى أوروبا، أو يلتهمه الحوت حيا كان أو ميتا.

يترتب عن هذا الفساد أيضا، انكسارات عميقة وصلت إلى حد الكمد المؤدي إلى النحافة تارة، فيدفن الإنسان نفسه حيا مع الهموم والانتكاسات، إذ اكتست هذه الرؤية الحادة أهمية بالغة بالنسبة إلى مضمون الراوية، وطفت على المستوى نفسه الذي تطفو عليه الشخصيات، ليغدو امتدادا طبيعيا لهمومها ومضاعفاتها، والموت تارة أخرى بسبب الأزمة وغياب المسؤولية، وما وقوف غيثة في وجه الفساد، إلا رمز لفضح كل أشكال الفساد ونهب خيرات الوطن، والاستغلال والسطو على الممتلكات: فهي شهَّرت بشخصية من العيار الثقيل، يقال إنها من المفسدين الفاسدين، واقترحت في مقالتها تسمية هذه الشخصية بالسيدا؟ إلا أن الفساد المنتشر في البلاد وتحكم المفسدين في السلطة، جرَّ عليها ويلات، أقصاها دخولها السجن وطردها من العمل.

وعلى أن التفاصيل الواقعية مهما اكتسبت درجات عالية من الإيحاء والدلالة؛ لا يمكن أن تكون إلا دفقة ضوء متواضعة في عملية الكشف الفني، التي تساهم في الحفاظ على تماسك النص، وتمنعه من التبدد والتشتت، وتُصيِّرُه عونا في تقديم الحدث بطريقة جمالية في علاقته بباقي المكونات الفنية، وانصهارها في قالب روائي محكم، وتصوير ما تعانيه الشخصيات من اغتراب وقلق اجتماعي، قوامه تكسير خطية الزمن والسرد والتداعي، تساوقا مع التغييرات التي جادت بها الرواية، والتحولات التي شهدتها، لاسيما في ما يتعلق بالأمل الذي تمسكت به غيثة، التي كانت تحلم بالتغيير إلى الأحسن، والقضاء على الفساد والمفسدين، إلا إن ذلك لا يحدث إلا بالتضحيات الكبيرة، وإخماد الكثير من الأنفاس واستشهادها في سبيل التغيير.

 

 *باحث من المغرب







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي