"بومة منيرفا" لسيف الرحبي احتفاء بالفلسفة والأمكنة

2020-03-13

لوحة غيلان الصفدي

مسقط – يستمد الشاعر سيف الرحبي عنوان كتابه الأخير “بومة منيرفا رحلات ومقالات” من الفكرة الهيغلية التي تقول إن البومة لا تحلّق إلّا في الظلام. هكذا هو دور الفكر والفلسفة  في عصور الظلام التي تمرُّ بها الأمم أو الشعوب، تحلّق الأفكار وحيدة فتحاصرها الغربة، وربما تُرْجَم بتهمة الإبصار في العتمة. ثم لا بدَّ أن يُنتهك العقل ويُزدرى الضمير، فيصيح الصائحون “أخرجوا الفلاسفة من أرضكم إنهم أناسٌ يُفكّرون”.

  كتاب "بومة منيرفا رحلات ومقالات" لسيف الرحبي يناقش الواقع العربي المعاصر بانفتاح وعمق

ويمزج المؤلف في كتابه الصادر عن، الآن ناشرون وموزعون، بالأردن وقائع تجربته الشخصية بما هو ابتلاء عام يستوي أمامه أن تكون عُمانياً، أو يمنياً، أو عراقياً، أو شامياً، أو مصرياً، أو مغربياً؛ فالقضايا واحدة والهموم مشتركة، يعانيها أبناء هذه الأمة من محيطها إلى خليجها.

يقول الرحبي في إحدى مقالاته التي تتناول رؤاه وانطباعاته خلال تجواله في ردهات الذات وتعرجات الأمكنة “مسميات الأماكن تختلف من بلد عربي إلى آخر، لكن وجوه الضحايا وفحوى المجزرة واحد، المجزرة في وجوهها ومعانيها المختلفة، من المعنى المادي المباشر الذي يعني جزْر، وتشريد الآلاف والملايين، في صحارى العري الراشح بالموت الجماعي، والأخاديد التي فتحتها الطبيعة الأزليّة بخضمّ الرمال المتحولة، إلى المعاني الرمزيّة، والأخلاقيّة الروحيّة التي قُبرتْ قبل دخول الضحايا المثوى الأخير في مقابرهم الجماعيّة، والفرديّة”.

جاء أسلوب الكاتب هادئاً وقادراً على ضبط إيقاعه أمام مشهد الأزمة؛ إذ تتدفّق لغته، لكنها لا  تنفعل، وإذا غضبت لا تجلد الذات. لذلك تمكن الرحبي من أن يقول أشياء كثيرة في هذا الكتاب؛ فالعمل في أساسه عمل أدبي، يتحدّث صاحبه في الجزء الأول منه عن رحلاته إلى المغرب وبريطانيا وفرنسا، فيسترسل ويستطرد، ويتنقل بين الجغرافيا والفلسفة والذكريات، بأسلوب شيق، ولغة جميلة، وأفكار متماسكة تحيل كلّ منا إلى ما يتلوها.

أما الجزء الثاني، فيخصّصه الرحبي لمجموعة من مقالاته التي كُتبت لتكون افتتاحيات لمجلة “نزوى” التي يرأس تحريرها.

وجاء على الغلاف الأخير للكتاب الذي يناقش الواقع العربي المعاصر بانفتاح وعمق وبعد عن الانحيازات “كانت البومة عند الإغريق القدماء ترمز إلى الحكمة أو الفلسفة، حتى ساءت سمعتها في القرون الوسطى الأوروبية، إذ تحوّلت إلى رمز للشؤم والخراب. وكذلك في الوعي العربي الذي يتطابق واقعاً ورمزاً مع تلك الحقبة السوداء في التاريخ الأوروبي التي سبَقت ومهّدت للانعطافات الحضاريّة الكبرى اللاحقة. في المنحى العربي الشرقي، نجد البومة في أسوأ صورها حتى لدى حيوانات ابن المقفّع، حيث يقوم الغراب بقذف البومة بأقبح الصفات صورةً وصوتاً وسلوكاً“.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي