هوامش عامّة جدًّا للجحيم

2020-03-02

عمر الشيخ*

مازلتُ أفكّر في طريقة لتبقى اشتراكاتنا

على الإنترنت (أون لاين) بعد أن نمضي!

 صورة تنزف يأسًا وأحلامًا.

لا أتقن حيطان داريا بهذه الدّرجة من الغضب..

كلّما سحب الليل أغراضه واختفى من البرد،

تظهر بخاخات الألم

لتمسح تواريخ وتكتب

سوف ينحني الشّعر في حاراتهم،

وسأكون من مرافقيه،

أصابعي الصغيرة قررت هذه الليلة أن تصبح أوتارًا

لصراخهم…

كم أتمنّى أن يرفرف قلبي وهو مقبوط بجنزير

من على قضبان جسر مشروع دمر..

بردى سيفيض دمًا،

ودوّار المزرعة سيبعث بطّاته الحجريّة إلى الله

علّهن يستيقظنّ..

في الزاوية الخلفيّة لـ(شام ستي سنتر)

كتب طالب الابتدائيّة على حائط العشوائيّات

كفره الجديد بالظلم…

ثم قال لي: «أوصل دفاتري لأهلي»

صرخ بوجه تلك الأيادي الّتي رفعته

إلى صندوق السيّارة الرماديّة

ومضتْ إلى شارع الضباب…

أفكّر في سيناريوهات شعريّة للمستقبل،

لكنّ لُغات الهتاف تغلبني

أنا الحرف التاسع والعشرون في أبجدية الوجع

سنخيط من أنسجة أعصابنا دفاتر «الهاشميّة» القديمة

حتى نكتب وهم النصر التشريني!

الحصة القديمة للفراغ

ستطفح بالرقص فوق المقاعد

بينما تحاول «عرّيفة» الصف وضع «إكسات» جديدة

عند اسمي.

***

قد جعلتُ لخصوبة أرضي

ميزة الاتساع كلّما مشتْ على ترابها

ستمطرني السماء بسحرٍ جديد…

وتعطيني شجرة الكبّاد من صبرها وذكائها

سحارات من الأماني.

كم علينا أن ننتظر

حتى تختطفنا شقائق النعمان

ولا نحتسب كل يوم، كؤوس الدم؟

تلوذ بي قناني النبيذ في آخر قطراتها

وكلّ بيوت حيّ القصور الفاخرة

وحبيبتي التي تركتني دون أن تسألني ما كلّ هذه البلاد…

ها أنا أجيب كالطفل القتيل

أرسمُ صورةً محترقة

لهذا اليباب الذي تقوله

لا أعرف ما هو الشعر،

لكنني أدركتُ منذ قليل أنّ معناه الحزن.

 نحن أنبياء الألم،

نصّ الاحتقان

يجب أن يخرج لنقتله

ونكتب ما سيأتي.

العرَق يأخذ شكل دمنا السرّي!

مع المؤخّرات النحيلة

يمكن للنبيذ أن يصنع من دمنا وقود الحانات

فتصير الأسرّة جبال شهوات..

من ينقذ العرق.. تلف الأعصاب

أم قهر حارات نهرعيشة؟

لا تعرف نهرعيشة سوى جامع واحد

وبائع مشروب يدعى «أبو جون»

لقد أغلق برّاد البيرة وصار يبيع الحليب والأمنيات..

سأهرب إلى بساتين كفرسوسة

مع «نصّية» الأحزان

لأنظّف ما تبقّى من خطبة الجمعة وشيوخ الموت والنار.

يذوب العرَق

وضلوعي تتساقط،

سنشرب ونضمّد جراح المقهورين بالشهداء

بكحول دموعنا..

بقلم الرصاص «المبري»

قلم النجّار ذاك

الذي نسيه في المكتب

أو ربّما قلم

عامل الهاتف

لقد كان قلماً حزيناً مليئاً بالشتاء والاصفرار…

ها أنا الآن أعلّم ملاحظاتي

على سطح غلياني

علّني أجد مفاتيحي..

أسمع صوتي في نصٍّ هنا.. وغربة الكلمات هناك

أتلاشى في حزنه كأنّه ابني

أنا صديقك الصغير، اسمي «الزهايمر»

قتيل الشوارع الباردة..

منذ قليل

رأيتُ الثلج في أوج شهوته

ينقضُّ على الأرض

لقد تجمّع

الحزن دفعة واحدة في قلبي

أنا قدح نهرعيشة الذي لم يشربه أحد..

أنا البارد إلى حد التكسّر…

أنا الجليد القاحل في تخدّره..

نهرعيشة والحاجز الحزين،

«انقلع من هون لا تتفرج» يقولون لي أنا الولد اللطيف

الذي عليه دائماً أن يصدّق ذلك؛ أبدو منكمشاً على جرحي…

لقد انتهى العرَق

وذهبتُ لأجلب من سوق «الدحاديل» قرب حارات «القدم»

جارنا اللئيم أحبّه لأنّه يورّد لي العرَق…

أحبّهم جميعاً؛ كلّهم إخوتي وأصدقائي

أشرب بصحّتهم وأشرب بصحّة الجامع والصلاة

أحبّ حبيباتي اللاتي رحلن.. لأنهنّ دم الحياة الواضح

أحبّ الجميع..

لماذا لا يشربون معي؟

لماذا يتركونني وحدي دون أن يقولوا.. «عمورة أنت منيح؟»

كلّهم طيبون،

بياض قلوبهم بلون العرَق المكسور بماء نهرعيشة

كلّهم…

«كفرسوسة» أيها الحزن الخجول على دمع قلوب الشعراء،

تعالي إلى حضني هناك متّسع لأحلامك…

تعالوا كلّكم إلى قلبي

لقد سجّلته باسمكم في «المحافظة»،

وتنازلتُ عن حقوقي

كلّها لأجلكم…

كم أحلم أن أجلس في ساحة الشهبندر وأنا أكسر

كحولي بالماء في وضح النهار..

ليهرعوا كي يخبروك:

مجنون من مكتبك

يضحك كثيراً

ويغرق في العرَق…

أرجوك أن تكتب:

عُمَر مريض بالزهايمر وضاع عن مكتب الجريدة

سوف يرجع يوماً من الأيام..

قُلْ لحبّات الليمون: إنّي سأضمّها لصدري

وإنّ قلبي يحبّ لون النارنج

يعيش ويموت ألف مرّة على سقوطها الشهيّ

تلك الحبّات…

قلتُ للبرد:

غداً سنكتب عن رسائل الحبّ في بستان أبي جمال…

وسنقول لنهر عيشة إنّكِ فتاة راقية رغم كلّ خرابك وحرائقك

سنشتري عشرات الورود

كي نهديها للشهداء…

ونكتب في كلّ غصن عن نهاية القهر الذي يكبر على أحلامنا

سنكون رغم الجراح الفاسدة

سنترك كلّ أشكال الحكايات على ماهية الكهرباء المقطوعة

ونرسم بالشمع عن الأثداء الصيفيّة التي تطلّ من شبّاك الجارة…

تضيق الكؤوس بقلبي وليس هنالك من نديم!

سأخبر أولادي غداً أنني اقترحتُ على الوحشة صداقتي لأنتهي من أرقها..

كيف يمكنني أن أهزّ هذا الكون ليصحو

من كابوس الأحزان الأبديّة الذي

غرقتْ به أرواحنا؟

أفقد توازني،

لكن الأرض ارتعدتْ قليلاً لتسمع كتماني..

هول الوشاية أربكني

كنتُ أريد أن أركض

لكنّي تأكّدتُ أنّهم إخوتي أيضاً؛ سلّم عليهم قلبي

ومضى إلى هتافهم…

الأشلاء سوريّة

والحقد سوريّ أيضاً!

لقد أصبحتْ بلادي هوامش عامّة جدّاً للجحيم…

عندما يبدأ الشعر من كفرسوسة

تثقلني برّادات «الحافظ» بالبيرة

فأزدادُ حزناً أربعين عاماً…

سأخبر جارنا الأعمى عن الألوان البيضاء

بينما تركض المحارم إلى علب «السبيرتو»

يرفع لي هو كفناً أنيقاً

لأغطّي عيون الشهيد

سأحمل أوتستراد درعا فوق رأسي

وأخبر بساتين بيادر نادر أن تلحق بي،

بينما تضمّد نهر عيشة قلبها؛ أصلُ مفتتاً

إلى جسر المتحلّق الجنوبي وقد وقع على ركبته من البكاء…

لن تمشي مآذن الميدان إلى كفرسوسة..

تناولوا كلّ الأرصفة واخبطوا فيها خوفكم

لتمرّ قلوبكم مشياً إلى البعيد

انزعوا أظافر الليل

هذا العراء قصيدتي

وأنتم أحجار شطرنج بلاستيكيّة

لن تكفيكم أرصفة الخوف ولا حتى مسننات الأقبية

حريّــة… تصدح مثل آذان السماء..

فاخبطوا خوفكم واثقبوا صراخنا تماماً

سأموتُ مكللاً بالعراء..

منذ قليل فقط كان التكبير يرفعها،

والأشجار تمشي في حضرتها…

حتى سواقي كفرسوسة الكئيبة

نهضتْ من تحت زواريب البيوت

لتمشي إليها… الجثة التي قتلت للتو.

نحن موتى أيضاً…

ما ينقصنا رصاصة دقيقة في وسط الحياة.

ابقَ قليلاً

هنالك الكثير من الألم

يجب علينا أن نسرّبه لهذه الكلمات..

ابقَ قبل أن يطلّ الفجر فالموت كان حنوناً اليوم

والمدافع تلقننا درساً

في الحرية..

ديوان الثورة الذي نحلم بإتمامه لن ينتهِ

قبل أن يستشهد أحدنا!

سنموتُ ونحن مطمئنّين

أنّنا «أونلاين» للأبد..

ممنوعة قصائدنا من الألم..

وممنوع صوتنا من الأنين..

وممنوعة دموعنا من الفيضان…

ممنوع على كفرسوسة ونهرعيشة أن يضمّا بعضيهما

قبل الموت..

«الكنزة» الصوفيّة التي اشترتها فطمة

لن ألبسها قبل أن تغيب الدبابات عن شاشة التلفاز..

سأظلّ عارياً وبارداً

أنا مشروع موت لم ينجزه القدر بعد..

ستغيب وتتلاشى أضواء شحناتك اليتيمة..

وأنا سأخبر العرَق أنّني أحمل حزنك وحزن الأضواء

(كوفي عنان) يستعدّ ليدخل سواد مدننا

والرصاص يدكُّ حضارة عيشنا..

بينما يقطع المقهورون شوارع المدينة

ويحرقون دولايب قصائدنا

تمهيداً لاستقبال الموت…

 

  • شاعر من سوريا









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي