رغم أن القيادة الإيرانية زوّرت الانتخابات.. لماذا خسرت النتائج؟

2020-02-24

كريستيان أوليفر

كان من المفترض بالانتخابات البرلمانية الإيرانية يوم الجمعة الـ21 من فبراير/شباط -التي سُمِحَ للمُحافظين فقط بالترشُّح فيها- أن تمنح نظام المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي فوزاً دعائياً سهلاً رغم تعثُّره.

ويبدو أنّ عملية التصويت المُدبّرة فشلت في تلميع صورة النظام من حيث الشرعية، وذلك بسبب أقل إقبالٍ على صناديق الاقتراع في تاريخ الجمهورية الإسلامية والمخاوف من أنّ الحكومة قلّلت حجم تفشي فيروس كورونا لتجنُّب المخاطرة بأن تكون مراكز الاقتراع فارغة. إذ حصد فيروس كورونا أرواح ثمانية أشخاصٍ حتى الآن في إيران، وهي أكبر حصيلة وفيات خارج الصين.

واتّهمت وزارة الخارجية الأمريكية طهران بالتقليل المُتعمّد من حجم تفشّي الفيروس ونشر معلومات مُضلّلة. وعلى النقيض، حثّ خامنئي الناس على المشاركة والتصويت، واشتكى من استخدام أعداء البلاد للفيروس في الدعاية لأغراضهم، وجادل بأنّ الرسائل عبر الإنترنت سعت لردع الناس عن التوجّه لصناديق الاقتراع في يوم الجمعة الـ21 من فبراير/شباط.

ومنذ مساء الجمعة، كانت طهران مُترددةً حيال مجرد نشر أعداد الإقبال “الرسمية” على التصويت في مقاعد مجلس الشورى الإسلامي الـ290، لكن وزير الداخلية عبدالرضا رحماني فضلي قال يوم الأحد 23 فبراير/شباط إنّها وصلت إلى أدنى مُستوياتها بنسبة تقل عن 43%. وهذه النسبة أقل بكثير من نسبة 62% المُسجّلة عام 2016، ونسبة 69% المُسجّلة في عام 2000، والتي أثبتت انتصاراً كبيراً للمُعسكر الإصلاحي الخاص بالرئيس محمد خاتمي. (فضلاً عن أنّ إقبال الناخبين في آخر انتخابات رئاسية عام 2017، حين هزم حسن روحاني المُرشّح المُتشدّد إبراهيم رئيسي، وصل إلى 73%).

ووصل إقبال الناخبين في طهران يوم الجمعة إلى 25.4% بحسب الوزير. وفي يوم الاقتراع، اقترح المسؤولون أنّ الأرقام ستكون مُنخفضة في مُختلف أنحاء البلاد. ولكن النظام يتمتّع بقدرةٍ قديمة على حشد المُوالين له في حافلات من أجل الأحداث الكبيرة، فضلاً عن تأخير إغلاق مراكز الاقتراع مراراً يوم الجمعة في محاولةٍ لتضخيم الأرقام.

وكانت الانتخابات فرصةً لخامنئي من أجل استجماع قوى قاعدته المُتشددة بعد أشهرٍ من الأزمات، قتلت خلالها قواته مئات المُحتجّين في نوفمبر/تشرين الأول وأسقطت طائرة ركابٍ أوكرانية الشهر الماضي لتحصد أرواح 176 شخصاً. وتخلّت السلطات عن التظاهر المُعتاد بالمنافسة المفتوحة، إذ حظرت هذا العام مُشاركة المرشحين غير المُتحالفين مع النظام. واستبعد مجلس صيانة الدستور، الذي يفحص المُرشّحين، سبعة آلاف من أصل 14 ألف مُرشّح. ووصف وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو العملية بأنّها “خدعة”.

ولم تُعلَن النتيجة الكاملة حتى الآن، لكن الأرقام الأولية من طهران أظهرت فوزاً ساحقاً للمُحافظين من مُعسكر محمد باقر قاليباف، وهو عمدة المدينة السابق الذي يتوقّع الكثيرون أن يصير رئيس البرلمان المُقبل.

وتماشياً مع التغيرات الأوسع في المشهد السياسي ومشهد الأعمال التجارية الإيراني، من المُتوقّع أن تُعزّز هذه الانتخابات سلطات الأشخاص المُرتبطين بالحرس الثوري في كل مكان، والذين تتراوح مصالحهم الآن بين حماية الحدود والبناء. وقاليباف مثلاً هو القائد العسكري الأسبق للقوة الجوفضائية بالحرس الثوري.

ورغم التدخّل الكبير لتزوير الانتخابات البرلمانية هذا العام، لكن خامنئي كان يتطلّع إلى “مشاركةٍ ضخمة” في الانتخابات من أجل الدلالة على ثقة الإيرانيين في الثورة وإظهار تحديهم للأعداء الأجانب -والذين يُقصد بهم عادةً الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية.

ولكن بات من الواضح بشكلٍ مُتزايد أنّ المسؤولين الإيرانيين كانوا يضغطون على الناخبين من أجل المشاركة والتصويت، رغم الأدلة المُتزايدة على أنّ تفشّي فيروس كورونا في البلاد كان أشد من المُتوقّع أوّل الأمر.

وفي أعقاب التصويت، أعلنت إيران فجأةً حملةً كاسحة من أجل محاولة وقف انتشار المرض. إذ أعلنت غلق المدارس والجامعات والمراكز الثقافية ودور العرض السينمائي. وسوف تُلغى العديد من المنافسات الرياضية، في حين ستُلعَب المباريات الكبرى بدون جمهور. وأُصيب عمدة طهران بالمرض. بينما أغلقت تركيا وباكستان وأرمينيا وأفغانستان حدودها مع إيران أو قلّلت من المواصلات معها.

ورد الفعل هذا في جميع أنحاء البلاد يفرض أسئلةً فورية حول أسباب قرار طهران بعدم تأجيل التصويت لأسبابٍ تتعلّق بالصحة العامة، وخاصةً بعد أن اتضح في يوم الاقتراع أنّ تفشّي الفيروس بلغ أماكن مُتنوّعة مثل مدينة قُم المُقدسة وساحل بحر قزوين. والاتهام الأمريكي بالتشويش المُتعمّد سيُؤدّي فقط إلى تفاقم الغضب العام حيال كذب الحكومة الإيرانية المُتكرّر في ما يتعلّق بدورها في إسقاط الطائرة الأوكرانية. وعلى غير العادة في بلدٍ يكره فيه المسؤولون الاعتراف بأخطائهم، أقرّ رحماني فضلي بأنّ التعامل مع قضية الطائرة يُمكن أن يكون السبب في إبعاد الناخبين.

لكنّ خامنئي حيّا حماسة الناخبين في مدينة قُم المُحافِظة، والتي يبدو أنّها كانت مركز تفشّي فيروس كورونا.

وقال: “رغم أنّ شعب قُم كان في مركز هذا المرض، لكنّ قُم كانت من أكثر الدوائر الانتخابية ازدحاماً”.

 


– هذا الموضوع مُترجم عن مجلة Politico الأمريكية.


*كريستيان أوليفر هو مُحرِّرٌ سياسي كبير في مجلة Politico الأمريكية. وعمل في السابق لصالح صحيفة Financial Times البريطانية في بروكسل. وبدأ عمله مع وكالة Reuters عام 2002، قبل ابتعاثه إلى إيران وأمريكا اللاتينية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي