رسالة إلى أبي الطَّيِّب المتنبّي

2020-01-15

سلمان زين الدين*

عيدٌ بأيَّةِ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ!

المتنبّي

العيدُ عادَ بِحالةٍ يُرْثى لَها

فَثِيابُهُ رَجْعٌ لأصْداءِ السَّفَرْ،

وَعُيونُهُ تَعِبَتْ منَ السَّهَرِ الطَّويلِ

لَعَلَّها تَحْظى بِمِرْآةِ القَمَرْ،

وَالشَّعْرُ أشْعَثُ أغْبَرٌ

لمْ يَعْرِفِ المشْطُ اللَّعينُ

إلى غَدائِرِهِ مَمَرْ،

وَالنّاسُ لمْ يَسْتَقْبِلوهُ

بِما يَليقُ بِهِ كَضَيْفٍ مُنْتَظَرْ.

العيدُ عادَ

بِلا هَدايا أوْ مَرايا أوْ لُعَبْ.

«بابا نَويلٍ» لمْ يَعُدْ مَعَهُ

وَلمْ يُطلِقْ لِضحْكَتِهِ العِنانَ

وَلا الْتَحى بِسَحابَةٍ بَيْضاءَ

تَغْبِطُها السُّحُبْ.

يا سَيّدي،

أطْفالُنا انْتَظَروا طَويلا

عودةَ الشَّيْخِ الجَليلِ

لَعَلَّهُ يَأْتي لَهُمْ

بِالمَنِّ وَالسَّلْوى وَأَحْلامِ العُلَبْ

لَكِنَّهُمْ عادوا منَ السَّبْقِ الطَّويلِ

بِلا قَصَبْ.

يا سَيِّدي الجُعْفيَّ

لوْ كُنْتَ، العَشِيَّةَ، بينَنا

لَبَكَيْتَ منْ أحْوالِنا

نَحْنُ العَرَبْ.

لا الخَيْلُ وَالبَيْداءُ تَعْرِفُنا

وَلا أقْلامُنا تَحْنو

على وَجَعِ الدَّفاتِرِ وَالكُتُبْ.

وَالنَّخْلَةُ الشَّمّاءُ إذْ

ضَرَبَتْ لَنا وَعْدَ الجَنى

ما هَزَّها أَحَدٌ

وَأَخْلَفَها الرُّطَبْ.

فَالقُدْسُ تَرْزَحُ

في صَليلِ قُيودِها

وَالشّامُ يَأكُلُها الحَطَبْ،

وَالمَغْرِبُ العَرَبِيُّ يَنْدُبُ حَظَّهُ

وَالمَشْرِقُ العَرَبِيُّ يُطْفِئُهُ اللَّهَبْ.

يا سَيّدي،

أبْناءُ ضُبَّةَ يُمسِكونَ زِمامَنا

وَلِكُلِّ مِصْر عِنْدَنا كافورُهُ

وَالسَّيْفُ، سَيْفُ الدَّوْلَةِ الغَرّاءِ،

آثَرَ أنْ يَعودَ إلى القِرابِ

وَلَمْ يَعُدْ يَسْتَقْبِلُ الشُّعَراءَ وَالأُدَباءَ

وَلَمْ تَعُدْ حَلَبٌ حَلَبْ.

يا سَيّدي الجُعْفِيَّ

هذا العيدُ ليسَ كَغَيْرِهِ

فَكَأنَّهُ ما جاءَ إلّا

كي يُذَكِّرَنا بِنا

وَبِصَلْبِنا المَشْهودِ يَوْمِيّا

على خَشَبِ القَدَرْ،

وَبِتيهِنا المَكْتوب فوقَ جَبينِنا

بينَ البَداوَةِ وَالحَضارَةِ وَالمَدَرْ.

لَكِنَّنا، يا سَيّدي،

رُغْمَ المَساميرِ الَّتي ذهبَتْ عَميقا

في عُرى قُمْصانِنا،

رُغْمَ التَّردّي في مَهاوي قَفْرِنا،

سَنَظَلُّ نَحْلُمُ بِالقيامَةِ وَالمَطَرْ.

لا بُدَّ أنْ يأتي المَطَرْ.

لا بُدَّ أنْ يأتي المَطَرْ.

 

  • شاعر لبناني

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي