خاصيات النقطة في منجز المغربي عبد الرحيم كولين

2019-12-11

 محمد البندوري*

يتخذ الخطاط عبد الرحيم كولين من الحروفيات مقوما أساسيا لبعث الجديد في منجزه الفني، فهو يروم عملية تشكُّل البناء الفني من خلال الخط المغربي المبسوط والثلث المغربي، قياسا بأهمية الحرف في تحديد المكونات الأسلوبية ذات القيمة الفنية، التي تكتنز العديد من الدلالات البصرية، التي تحتمل التأويلات الجمالية المتعددة. فعمليات التركيب لديه تتجسد في عملية التثبيت المحكم للخطوط والوضع المنظم لأشكال الحروف داخل الفضاء، باحترام دقيق لطبيعة التركيب والمقاييس وتوزيع المساحة، وهو ما يحيل إلى أن تصورات المبدع تروم التوظيف الجمالي للخط المغربي المبسوط، وبسطه بتنوع في الألوان وتوزيعه بشكل متوازن في المساحة. ويعمد غالبا إلى ضخ المادة التراثية بنوع من السيولة واستهداف الزخارف المتنوعة والنقاط والخطوط والأشكال التصاعدية العمودية والأفقية، بنوع من التوازي، خاصة في الألفات المستقيمة والياءات المتطرفة، وتصبيب الألوان في الشكل، وتوضيب عملية التنظيم الفارقي بالشكل الذي يمنح أعماله الانسجام، وهو ما يدعم العمل الحروفي المعاصر.

وغالبا ما يرتبط هذا التأطير بالبعد الرؤيوي للخطاط الذي يقارب به ماهية العمل الفني الحروفي الممزوج بالزخارف والتنوع على مستوى الشكل؛ ويقارب به المادة التشكيلية التي يقوم عليها العمل الفني في مجمله. لذلك فأعماله الخطية تتميز بالمقومات الفنية الدقيقة التي تتموضع بين قانون المنظور والمشكل الخطي، مدعمة بالمنطق الفني، ما يفصح عن درجة من الوعي بالمادة الخطية المغربية وبالبعد الفني للعمل بهذه المقاربة، خاصة أثناء عملية التجليل في الخط المغربي المبسوط، أو في خط الثلث المغربي. فالمقاربة السالفة تُجلي شكل البناء الخطي المجلل وتستدعي المادة للخضوع إلى الحس الفني، خاصة أن عمليات التلوين حاضرة بالموازاة مع الشكل، وهو ما ينم عن عملية الأخذ من المجال الفني، باجتهادات تجعل أعمال الخطاط عبد الرحيم كولين حبلى بالإيحاءات والرمزية المقتنصة من الأشكال، ومن الصيغ الجمالية للخط المغربي.

   

النقطة خاصيات جمالية تتلاءم مع المكونات الحرفية في الخط المغربي، وإدماج النقطة في شكليها المستدير والمربع، بخاصيات جمالية فارقية؛ هو تكوين جمالي في الخط المغربي المبسوط

وهي عناصر فنية أساسية يلج بها فضاءات العصرنة الخطية وعوالمها الإبداعية الجديدة. وبذلك يبني الخطاط عبد الرحيم كولين أعماله الإبداعية، وفق مسالك خطية تروم الرؤى التعبيرية، ووفق معان نصية روحية يمزجها في الشكل الخطي، ويصب عليها الألوان ويوظفها فنيا بتدرج دقيق ومنظم، وبمقدرة أدائية عالية وبتقنيات تستجد كل حين لاستعمالاته التكتيكية الاحترافية. مستعينا بالعلامات الزخرفية والأشكال المتنوعة، ليحصل على التعادلية والتوازن، ويبلور الكيفية الشكلية في توزيع المفردات الخطية وعناصر الكتابة بقسط وافر من التعادلية، خاصة لمّا تعتري الفضاء أنواع من الكتل والكثافة المتوسطة أحيانا، ما يجعل أعماله تتخذ أبعادا تجريدية وروحية وثيقة الصلة بالمنجز الفني المعاصر. فيضحى التعبير بالاسترسالات العميقة والامتدادات الطويلة للحروف في اتجاهات عمودية وأفقية مادة أيقونية، ومركزا قويا لجذب النظر.

وفضلا عن هذا التوظيف؛ فالمبدع يتخذ من المساحة أبعادا جمالية مثقلة بالحروف المتشابكة والمتعرجة وشبه الدائرية ذات تعبير مفتوح. وللنقطة شأن في العمل الإبداعي للخطاط عبد الرحيم كولين؛ فالمبدع – وإن كان يضع النقطة بالشكل المربع والمستدير في العمل الواحد ـ وهو ما يخالف ضوابط الخط المغربي؛ فإنه يتغيى الصيغ الجمالية التي تتلاءم مع المقصديات الفنية للخط المغربي، خاصة أثناء حدوث نغمات سمفونية بالإِيقاعات اللحنية الناتجة عن طول الحركة وكثرة الميلان وصعود الموسيقى وبسطها مع الامتدادات الحرفية‏. وبذلك يسعى المبدع إلى صنع توليف جوهري في النقطة بين المستديرة والمربعة في نطاق من التماثل والتباين، بتمثيل قوي للمقومات الجمالية للنقطة التي تشكل مركز العمل الخطي.

فالنقطة خاصيات جمالية تتلاءم مع المكونات الحرفية في الخط المغربي، وإدماج النقطة في شكليها المستدير والمربع، بخاصيات جمالية فارقية؛ هو تكوين جمالي في الخط المغربي المبسوط. ويتبدى أن المبدع يقوم بإعادة تكوين العمل الخطي المغربي على أساس المشهد البصري الرمزي المجرد في محاولة للوصول بالحرف إلى قيمة بذاته، وتحريك منظومة القيم الفنية وإنتاج الدلالات المتنوعة، فتتراءى أعماله نتاج تقدم أسلوبي في الخط المغربي المبسوط، لما لحقه من اجتهادات نابعة من المشروع الذاتي للمبدع، الذي استطاع بتجربته الكبيرة أن يمزج المبسوط المغربي بالنسق الفني والمسلك الجمالي ليبلغ التحويل الناجع، ويتمثل الخط المغربي فنيا، ويربط الأداء الخطي المغربي بالمادة الفنية، باستعمالات تقنية أثرت في أسلوبه الذي ينبض بالإبداع. وبذلك فإن قدرته الإبداعية ومؤهلاته الفائقة تقودانه للتفاعل مع مختلف أشكال الخط المغربي بحمولة ثقافية ومعرفية وعلمية؛ وذات خصائص فنية متفردة، وبروح تواقة إلى التجديد، ما يجعل أعماله حاضرة بقوة في النسيخ الخطي الراقي المعاصر.

  • كاتب مغربي

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي