ليلُ زنزانتي الطويل

2019-11-18

فدوى حسين*

سبع نسوةٍ، تلفنا رهبة انتظار الموت في تلك الزنزانة التي جمعتنا دون موعد، لم تكن إحدانا تعرف الأخرى، تم اعتقالنا من أماكن عدة، كل ما يجمعنا أننا ننتمي إلى ثورةٍ هبت على الظلم والفساد، ننتمي لمنزلٍ ثائر، أو شارعٍ ردد صيحات ثائرة، أو لمدينةٍ ثائرة صرخت من تحت الرماد.

التهمة لكل معتقل في وطني جاهزة (متمرد، إرهابي، انفصالي، متآمر،…)

 سبع نسوة تكورنّ على بعضهنّ يضممن قلوبهنّ المرتجفة! يترقبنّ بصمت ما يتنظرهنّ خلف هذا الباب! يترقبن تنفيذ حكم الإعدام بشرفهنّ.

يتم أخذنا تباعاً لغرف التحقيق. الرهبة تملأ المكان والهدوء المرعب يحلق فوق الضحية القادمة، تلك الفتاة العشرينية ترتجف كعصفور مقيدٍ في بركة ماء تتخبط في ذهول وغيابٍ عن الوعي غير مدركةٍ ما حولها! رموها كخرقة بالية في أرض الزنزانة تحجرت في عينيها الدموع المختلطة بالدماء، اجتمعت النسوة حولها يسألنها عمّا فعلوه بها؟! لسانها فارق الحياة!

وحده جسدها الغض المتجلي من بين ثيابها الممزقة تحدث إليهن بصمت، وهو يذرف الدماء من جسدٍ استبيح بوحشية وتشف! الأنين الصارخ من جراحها يهز عروش الحضارة البشرية، يدك قلاع الإنسانية المزيفة في العالم المتحضر. العالم الذي تركها بين أنياب مغتصبيها متفرجاً حيناً ومصفقاً أحياناً كثيرة.

 لوحة الموت المرسومة أمامنا زادت من ثقل الرهبة والرعب على أرواحنا.

 من منا ستكون التالية؟!

 خارت قواي جلست في مكاني، أستند إلى جدار ازداد التصاقاً به حتى أوشكت أن أنغرس فيه، وأنا أتخيلهم قادمين الي يفكون جدائلي يرمونني أرضاً يسحقون براعم أنوثتي، يمزقون ثيابي، يمررون أصابعهم القذرة فوق جسدي، أياديهم المسعورة تمزق كرامتي، يزداد شعوري بالغثيان والإقياء، أسمع أصوات أقدام القادمين باتجاه الزنزانة، صدى خطواتهم يرتد من على جدران الردهة المؤدية إلينا، يزداد الصوت قوةً ويزداد قلبي لهاثاً في خفقانه!

عيناي مذهولتان مسمرتان على الباب، صوت خفقان قلبي وأصوات الخطوات المقتربة يصم الأفق، قلبي الذي توقف فجأة لتتبعثر أحلامي المغدورة، حين أدارت الخطوات المتوقفة أمام الباب قبضته!

 

  • باحثة وقاصة وحقوقية كردية سورية






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي