رواية ألمانية عن "المستشفى الأميركي"

حيوات بشر مبتورة وحلول مستحيلة

2019-11-11

حمدي عابدين

تأتي أهمية رواية «المستشفى الأميركي» للكاتب الألماني ميشائيل كليبرغ، في المشهد الإبداعي الألماني المعاصر، بسبب تمتعها بقدر كبير من السرد الذي يمزج بين الشعر والتحليل الواقعي، وذلك بجمل نثرية قصيرة ذات قدرة كبيرة على سبر أغوار أبطالها، فضلاً عن الوصف الجغرافي لأنحاء كثيرة من العاصمة الفرنسية باريس.

وترصد «المستشفى الأميركي»، التي صدرت حديثاً بالعربية عن هيئة الكتاب المصرية، وترجمتها الدكتورة أميرة أمين، قصة معاناة بطليها: هيلين التي تسعى لإنجاب طفل بالتلقيح الصناعي، في محاولات تذهب جميعها سدى، وتفضي بها إلى الطلاق من زوجها، وكوت الذي يخضع لجلسات علاج نفسي للخروج من حالة رهابه وصدمة ما بعد العنف الذي عاش أحداثه في المعارك، وتدور الأحداث بين «المستشفى الأميركي» في ضاحية نويي الباريسية، ومحطة مترو بون دي لوفلوا وشارع دو شاتو، وفيكتور هوجو، فيما يحاول كليبرج رسم حيوات أبطاله القلقة والمبتورة وغير المحققة، على مستوياتها العاطفية والوظيفية، فضلاً عن تلك المرتبطة بالصحة النفسية.

تعمل هيلين مهندسة ديكور، وتحب الشعر، خصوصاً ما تكتبه النساء، لأن لديهن، في رأيها، رؤية للعالم تختلف عن تلك التي يتبناها الشعراء الرجال، بينما تبدأ الأحداث في خريف عام 1991، عندما تلتقي جندياً أميركياً برتبة نقيب عائداً للتو من العراق بعد حرب الخليج هو ديفيد كوت، المولود في ورسستر، إحدى مقاطعات ولاية ماساتشوستس في الولايات المتحدة. هو يقرأ أشعار إليزابيث بيشوب، وإيملي ديكينسون، وغيرهما من شعراء أميركا، وهي رغم حبها للشعر النسائي تقرأ لأراجون.

هناك في قاعة استقبال المستشفى كان مشهد اللقاء الثاني لبطلي الرواية اللذين يعيشان طموحات لا تعرف التحقق، بعد لقاء حارق جمع بينهما قبل أربعة أسابيع؛ حيث سقط الجندي جراء حالة «رهاب» يمر بها إثر مشاركته في العمليات الحربية، في ذلك اليوم هرعت هيلين لمساعدته، وتمزقت ملابسها تحت قسوة قبضة يده التي تشبثت بها دون إرادة منه.

وتتلخص حياة المؤلف كليبرغ في مدينة شتوتجارت عام 1959، التي ولد فيها، ودرس العلوم السياسية والتاريخ. وبعد إقامته في روما وأمستردام، عاش في باريس. وهو يعمل كاتباً متفرغاً ومترجماً في برلين.

وقد حاز العديد من الجوائز عن أعماله الأدبية، منها جائزة كاتب مدينة ماينز عام 2008، ومن أهم أعماله كتاب «حديقة في الشمال» 1998.

وعبر أحداث الرواية التي لا تتألف من فصول، بل عدد من المقاطع، يلاحظ القارئ أن هناك علاقة حب لا تتطور، تراوح في طور الصداقة بين الأميركي والفرنسية هيلين، وعلى مدار الأحداث يتابع الكاتب عبر حواراتهما الكثير من إبداعات الشعراء وبعض حكاياتهم وأسرارهم، لكن تظل الألفة التي تنبني عبر اللقاءات المختلفة غير قادرة على كسر حد الصداقة وتجاوزها إلى علاقة عاطفية تجمع بين شخصين محبطين في حياة مشتركة، وتبقى الكآبة التي تذكر كل منهما بماض كان يحمل أثراً عاطفياً، لكنه لم يكتمل. ويتمتع كليبرغ بالشهرة إلى حد ما في العالم العربي، لا سيما بعد ترجمة كتابه «الحيوان الذي يبكي»، الذي يتناول الوضع في لبنان. وخلال السرد، تمكن كليبرغ عبر متابعة أحداث روايته التي حصلت على جائزة «الكتاب الإنجيلي» لعام 2010، من لمس موضوعات وجودية مثل الخسارة والشعور بالذنب والوحدة والأمل والمرض والشفاء. كما راح يعري أفعال الإنسان ودوافعه للقتل والحياة، ومبررات الحرب، وهذا ما يتجلى واضحاً في سياق الحوارات التي تجمع بين كوت وهيلين، وتظهر من خلالها إشكاليات حادة في الزمن الذي نعيشه تحتم على الجميع البحث عن صيغة للعيش المشترك.

وتسعى شخصيات «المستشفى الأميركي» إلى البحث عن حلول غير قابلة للتحقق أصلاً، عبرت عنها الظلال التي تجلت في الرواية من خلال استحضار عوالم الشعراء والمبدعين، لتتجاور مع حياة بطلي الرواية هيلين بعمليات تلقيحها الفاشلة، والجندي الأميركي في رهابه، لكن السؤال الذي يظل مطروحاً في ثنايا رواية كليبرج، هل سيظل العالم الغربي متوحشاً تجاه الآخر البعيد عن جغرافيته، في مناطق كثيرة بالعالم، فيما هو غير قادر على الائتلاف في قصة لا تتجاوز إطار الصداقة، ولا تصل إلى حد الاندماج العاطفي.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي