
استغلت إسرائيل سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد لتوسيع المنطقة التي تحتلها في جنوب سوريا، حيث تشهد هضبة الجولان السورية المحتلة تصعيدا إسرائيليا جديدا يعيد إلى الأذهان أساليب القمع المستخدمة في الضفة الغربية المحتلة.
بهذا الملخص افتتحت صحيفة لوموند تقريرا لمراسلها الخاص من القنيطرة مجيد زروقي، قال فيه إن إسرائيل، بعد سقوط نظام الأسد أواخر عام 2024، وسعت نطاق سيطرتها داخل الأراضي السورية، متجاوزة خط وقف إطلاق النار لعام 1974، وأقامت قواعد عسكرية جديدة ونقاط تفتيش متحركة، وفرضت قيودا مشددة على حركة السكان.
ووصف الكاتب حاجزا أصفر من النوع الذي تستخدمه القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية، قال إنه يغلق الطريق بين السكان وأراضيهم وأعمالهم منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول، ويفصل بين بلدة الحميدية الزراعية ومدينة خان أرنبة، المركز الإداري والاقتصادي لمحافظة القنيطرة.
ووثق المراسل شهادات من أهالي المحافظة الذين يواجهون اقتحامات وعمليات تفتيش واعتقالات تعسفية، حيث تقول المهندسة آلاء الحاجي، وهي ناشطة ضد الاحتلال، "يوجد حاليا ما لا يقل عن 42 معتقلا من أبناء المحافظة داخل السجون الإسرائيلية، معظمهم موقوفون إداريا دون تهمة أو محاكمة، وبينهم شبان اختفوا أثناء رعيهم الماشية قرب القواعد العسكرية أو خطوط التماس".
تدمير واسع للأراضي
وتوضح آلاء الحاجي أن قريتها بئر عجم القريبة من الخط ألفا الفاصل بين سوريا والاحتلال تتعرض لتفتيش شبه يومي بحجة البحث عن أسلحة أو عناصر من حزب الله اللبناني.
ويؤكد مركز "سجل" وسلطات القنيطرة أن نقاط التفتيش الإسرائيلية تجبر السكان على فتح هواتفهم المحمولة، وتعد حيازة رقم أجنبي سببا كافيا للاعتقال، كما حدث مع وليد مصنور، وهو لاجئ سابق عاد من تركيا، واعتقل أواخر أكتوبر/تشرين الأول.
وأشار المراسل إلى أن هذه الأعمال رافقها تدمير واسع للأراضي الزراعية واقتلاع آلاف أشجار الزيتون، واعتبار مناطق واسعة "عسكرية مغلقة"، منها سد المنطرة، أكبر خزان للمياه العذبة في الجولان.
يقول بيبرس، وهو ميكانيكي من قرية بريقة، حيث تعمل القوات الإسرائيلية على فتح طرق جديدة وتوسيع المنطقة الواقعة تحت سيطرتها، إنهم "اقتلعوا نصف أشجار الزيتون في الأراضي التي احتلوها. نقلوا خطوطهم الدفاعية داخل المنطقة العازلة. كل شجرة يجدونها في طريقهم تقتلع".
وأضاف بيبرس أنه ذات ليلة سمع ضجة خلف منزله، وعندما خرج وجد 5 أشعة ليزر موجهة نحوه من بنادق الجنود، "يسألون عن الأسلحة والكاميرات، وحتى عن صلاتنا العائلية. ذات مرة سألوني ماذا نطبخ".
وتقدر المنظمات المحلية أن 1200 هكتار من الأراضي الزراعية دمرت بالكامل، من أصل نحو 6 آلاف هكتار أصبحت محظورة على السوريين، بعد أن أغلقت القوات الإسرائيلية سد المنطرة وأعلنت محيطه "منطقة عسكرية مغلقة".
الخوف والانعزال
ويؤكد سكان القرى أن الجيش الإسرائيلي يستخدم الحواجز والعقوبات الجماعية لعزل التجمعات السكانية عن بعضها، مما يفاقم الخوف والاضطراب، يقول أحد وجهاء المنطقة رفض ذكر اسمه "إذا كشف اسمي، سأكون مضطرا لمغادرة القنيطرة فورا إلى دمشق. نحن نحاول أن نكون وسطاء بين السكان والجنود، لكن ميزان القوة ليس لصالحنا".
ويؤكد الوجيه -كما أورد المراسل- أن عجز الحكومة السورية الجديدة يزيد من عزلة الأهالي، ويقول إن "الدولة غائبة. لا أحد يأتي للاستماع إلى الناس، وهذا يعزز الخوف والانعزال".
كما يشير التقرير إلى تصاعد التوترات الطائفية بين القرى السنية والدرزية، في ظل اتهامات متبادلة باستغلال الاحتلال الإسرائيلي لهذه الانقسامات، في ظل عجز الحكومة السورية الجديدة عن حماية السكان أو التفاوض بشأن أوضاعهم.
وخلص الكاتب إلى أن كل هذا يشير إلى أن إسرائيل تحكم قبضتها على الجولان مستخدمة الأدوات نفسها التي تمارسها في الضفة الغربية، من حواجز واعتقالات ومصادرات، وتوسع ميداني مستمر، في وقت يبقى فيه مصير هذه الأرض السورية الإستراتيجية رهينة الغموض والمساومات السياسية المقبلة.