
قالت صحيفة لوفيغارو إن المجازر التي تضرب السودان لا تحظى بتغطية إعلامية ولا بإدانات تتناسب مع حجم الكارثة، خلافا للحرب على غزة التي تثير موجات من التظاهر وردود الأفعال والانقسامات العميقة داخل المجتمعات الغربية.
وتساءلت الصحيفة الفرنسية في تقرير بقلم جان دوريو: لماذا هذه المجازر التي تتزايد فظاعتها مع كل شهادة تنقلها المنظمات غير الحكومية، ومع سيل الصور المروعة التي غزت وسائل التواصل الاجتماعي منذ سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، لا تولد سوى استنكار خافت، بل صمتا لامباليا؟
واستغربت الكاتبة أن حربا دامية خلفت أكثر من 150 ألف قتيل و12 مليون نازح تظل شبه غائبة عن الرأي العام الدولي والإعلام، في وقت تحصل فيه الحربان في أوكرانيا وغزة على تغطية واسعة وتفاعلات سياسية وشعبية قوية.
وفي سعيها لتفسير هذا الغياب، ذكرت الكاتبة أن حرب السودان الحالية بدأت بعد اندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهما جنرالان كانا حليفين قبل أن يتحولا إلى خصمين يتنازعان السيطرة على البلاد وثرواتها.
صراع على المال والسلطة
ويرى محللون أن السبب في خفوت هذه الحرب السودانية إعلاميا ودوليا يعود إلى غياب البعد الأيديولوجي أو الاستعماري فيها، بحيث لا يمكن تصنيفها ضمن خطاب "المقاومة ضد الاستعمار" الذي يثير عادة حماسة الشارع العالمي، والذي يفسر الدعم الواسع لفلسطين باعتبارها "ضحية دولة استعمارية" هي إسرائيل.
أما الصراع في السودان فليس أيديولوجيا -كما يوضح الباحث مارك لافيرني- بل هو صراع على المال والسلطة والموارد، كما أنه ليس مواجهة بين ظالم ومظلوم بالمعنى الرمزي الذي يجذب التعاطف الجماهيري.
وأشارت الكاتبة إلى أن الطابع الأيديولوجي هو ما يجعل مأساة غزة حاضرة بقوة في النقاش العالمي، ويرى المحامي والكاتب غيوم غولنادل أن الاهتمام الإعلامي بغزة مرده إلى "افتتان خاص بكل ما هو يهودي"، أما السودان ففيه "مسلمون يقتلون مسلمين آخرين"، ومن ثم لا تثير المأساة الاهتمام نفسه، لأن "الموت لا يصبح مهما إلا حين يحدث صدى عاطفيا جماعيا ضمن قالب محدد".
وفي هذا السياق، نبهت الكاتبة إلى أن مفهوم "الإبادة الجماعية" الذي يستدعى اليوم في الحديث عن غزة يغيب تماما عن النقاش حول دارفور، رغم أن الوقائع الميدانية -بحسب تقارير الأمم المتحدة وجامعة ييل- تشير إلى مدنيين يقتلون على جنبات الطرق، ورجال يحرقون أحياء، وأطفال يتجولون بلا أهل على أطراف مخيمات اللاجئين، ونساء مسكونة بالصدمات صامتات على الاغتصاب.
غياب الرهان الاستراتيجي؟
ترى الكاتبة أنه ومن الناحية الجيوسياسية، فلا يمثل السودان رهانا إستراتيجيا كبيرا للدول الغربية -كما تقول الصحيفة- خصوصا بعد تراجع النفوذ الفرنسي في أفريقيا وتحول الاهتمام الأوروبي نحو الحدود الشرقية حيث تدور الحرب الأوكرانية.
وخلصت الكاتبة إلى أن الحسابات الجيوسياسية تلعب دورا مهما، منبهة إلى أن الحرب في أوكرانيا تمسّ أوروبا مباشرة، لأن ذلك البلد جار للاتحاد الأوروبي ومرشح للانضمام إليه وإلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أما السودان فبعيد جغرافيا وإستراتيجيا عن المصالح الأوروبية.
وبهذا، يجد السودان نفسه خارج دائرة الضوء، غارقا في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية المعاصرة، وسط صمت دولي وإعلامي يكاد يكون تاما.