
سلط الكاتب الفرنسي إليوت براشيه في تقرير مطول نشرته صحيفة لوموند الفرنسية الضوء على الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في الفاشر ودارفور، وتحدث عن محاولاتهم الحثيثة لإخفاء الأدلة، وعن فشل المجتمع الدولي في وقف المعارك وحماية المدنيين.
وقال الكاتب إنه بعد مرور أكثر من أسبوع على الهجوم الأخير الذي شنّته قوات الدعم السريع على المدينة، والذي أسفر عن مقتل آلاف من المدنيين، تتوالى الشهادات تباعا عما جرى، مع فرار المدنيين ووصولهم لمناطق آمنة.
وذكر الكاتب أن صحيفة لوموند جمعت العديد من الشهادات الصوتية والمرئية والمكتوبة نقلتها مصادر مستقلة من مدينة "طويلة"، بما في ذلك شهادة مريم (اسم مستعار)، وهي من سكان الفاشر لجأت إلى مدينة طويلة الواقعة على بعد حوالي 50 كيلومترا غرب الفاشر.
الشوارع مليئة بالجثث
تقول مريم للصحيفة "كانت الشوارع مغطاة بالجثث، لقد قتلوا أطفالا ونساء ورجالا. بعضهم سُحق تحت المركبات، كان مشهدا مرعبا. لقد اختطفوا أيضا أطفالا صغارا بينهم فتيات، وحتى الآن لا نعرف أين هن، لم نعثر عليهن ولا حتى على جثثهن".
ويبين الكاتب أن مريم وأسرتها أوقِفوا عند نقطة تفتيش تابعة لقوات الدعم السريع، حيث خضعوا للتفتيش والتجريد من ممتلكاتهم والاستجواب والضرب. وتابعت مريم البالغة من العمر 28 عاما: "لقد أخذوا منا كل شيء، حتى ملابسنا".
ويوضح الكاتب أنه بعد 9 أيام من السير عبر الصحراء، وسلوك الطرق الوعرة لتجنّب الحواجز، حاملة أطفالها المنهكين، قالت مريم إنها وصلت أخيرا إلى مدينة طويلة عند سفوح جبل مرة، حيث تسيطر جماعة مسلحة بقيت رسميا محايدة في الصراع المستمر منذ أكثر من عامين ونصف.
وبحسب الأطباء هناك، يصل الناجون في حالات مزرية، وتظهر على معظم الأطفال علامات سوء التغذية الحاد. وتقول مريم بأسى "نحن منهكون، نحن الآن في مكان آمن، لكن قلوبنا ليست مطمئنة. لم نتمكن من العثور على أزواجنا، ولا نعلم إن كانوا أحياء أم أمواتا".
تجارة بالأسرى
ويؤكد شهود عيان في الموقع أنه كلما وصل فوج جديد من الناجين، تتدافع عشرات النساء نحوهم على أمل أن يلمحن وجه أب أو أخ أو ابن بين الواصلين.
ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة؛ مثل مريم، فرّ أكثر من 71 ألفا من سكان الفاشر منذ سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة، يتابع براشيه، موضحا أنه لم يصل إلى طويلة سوى حوالي 7 آلاف شخص، فيما يُقدّر أن نحو 15 ألفا لجؤوا إلى مدينة دبة في شمال السودان، بينما انتقل بضعة آلاف إلى شرق دارفور.
ويتابع الكاتب أن معظم الناجين الذين يصلون إلى طويلة فقدوا أثر أحد أفراد عائلتهم على الأقل، كما يُفضّل الكثيرون عدم الإفصاح عن هويتهم خوفا من الانتقام من أقاربهم المحتجزين لدى قوات الدعم السريع في الفاشر، أو في معسكرات اعتقال حولها.
وبحسب براشيه، تُظهر العديد من مقاطع الفيديو رجالا يجبرون الأسرى تحت تهديد السلاح على دفع فديات تصل إلى آلاف اليوروهات، تُحوَّل عبر تطبيقات مصرفية إلكترونية مقابل إطلاق سراحهم. ونقل الكاتب عن عامل إغاثة طلب عدم الكشف عن اسمه، تأكيده أن الأمر أصبح تجارة.
مقابر جماعية
وأفاد الكاتب أنه مع تزايد الضغط الدولي، بدأت قوات الدعم السريع وحلفاؤها المدنيون في حملة مضادة إعلامية، حيث نفت بشكل مباشر وعبر حلفائها بشكل قاطع اتهامات جرائم الإبادة في الفاشر، واعتبرت نفسها ضحية حملة تضليل.
ونشرت لقطات ادعت فيها نشر الشرطة في شوارع المدينة وتوزيع قوات الدعم السريع مساعدات إنسانية. وظهرت مقاطع مصوّرة لأطباء تزعم أن الطواقم الطبية تُعامل بشكل جيد وأن الأوضاع مستقرة. بل وظهر حميدتي نفسه ليلا، وهو يربت على رؤوس أطفال بدوا مذعورين.
ويؤكد الكاتب أن جميع القرائن تشير إلى أن قوات الدعم السريع تعمل على طمس آثار الجرائم، مُشيرا إلى أنه من خلال صور الأقمار الصناعية، أكد مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل ظهور ما لا يقل عن مقابر جماعية في الفاشر، حُفرت لدفن جثث كانت مرئية من الجو.
وقال ناثانيال ريموند، الباحث في المختبر: "لا يمكننا تقدير عدد الجثث لأنها كانت مكدسة فوق بعضها. كما لاحظنا حركة جرافات وشاحنات يُرجَّح أنها تنقل جثثا وهذه التحركات تتسارع"، محذّرا من مصير نحو 190 ألف مدني محاصرين بالفاشر ويعانون خطر المجاعة.
إضرام النار في مقبرتين جماعيتين
وتشير صور الأقمار الصناعية إلى أن قوات الدعم السريع أضرمت النار في مقبرتين جماعيتين: الأولى قرب المستشفى السعودي، والأخرى على أطراف خندق رملي بطول 55 كيلومترا حول المدينة. ويقول ريموند "كل المؤشرات تدل على أن قوات الدعم السريع تخفي أدلة المجازر".
ولفت الكاتب إلى أن قوات الدعم السريع اتبعت هذه الأساليب في وقت سابق. ففي أعقاب المجازر والتطهير العرقي في الجنينة غربي دارفور في يونيو/حزيران عام 2023، والتي أوقعت ما بين 10 آلاف و15 ألف قتيل خلال أيام، قامت القوات بالتخلص الممنهج من الجثث عبر شاحنات ورميها في ما لا يقل عن 13 مقبرة جماعية، وفق الأمم المتحدة.
ويشدّد ريموند من جهته على أنه "يتوجب على الأمم المتحدة إرسال بعثة تحقيق مستقلة إلى الفاشر فورا. لا يمكن أن نسمح لقوات الدعم السريع بمحو آثار جرائمها".