
نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريرًا أعدّته ألكسندرا وورد قالت فيه إن زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن أعادت تشكيل النظام الإقليمي.
وقالت إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استضاف الشرع يوم الإثنين في البيت الأبيض، في أول زيارة لرئيس سوري إلى واشنطن منذ ما يقرب من 80 عامًا. ويمثّل هذا اللقاء، الذي يُذكّر أيضًا بتاريخ الشرع كزعيم لتنظيم “القاعدة” في سوريا، تحسنًا كبيرًا في العلاقات مع الدولة التي كانت منبوذة سابقًا.
وقبل أقل من عام، رصدت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يُدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على الشرع لعلاقاته بتنظيم “القاعدة”. ولكن بعد الإطاحة بالديكتاتور بشار الأسد، في كانون الأول/ديسمبر الماضي، في عملية قادها المقاتلون التابعون للشرع، أعاد الأخير تشكيل صورته وصورة سوريا العالمية كحليف محتمل للغرب.
وقد رفع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالفعل بعض العقوبات المفروضة على الشرع ومسؤولين في حكومته تمهيدًا لتعاون عالمي أفضل.
وبعد لقائه بترامب، في أيار/مايو، أشاد الرئيس الأمريكي بالشرع ووصفه بأنه “رجل قوي” و”مقاتل” يتمتع “بماضٍ قوي للغاية”. ويأمل الشرع في استخدام صورة “الرجل القوي” لإبرام صفقة مع الولايات المتحدة لرفع العقوبات الأمريكية بشكل دائم على سوريا.
في عام 2019، فرض ترامب عقوبات بموجب “قانون قيصر” لمعاقبة دمشق على انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في ظل نظام الأسد. ولكن في حزيران/يونيو، تنازل ترامب عن تلك العقوبات من خلال أمرٍ تنفيذي، مشيرًا إلى الحاجة إلى “منح السوريين فرصة للعظمة”.
ويبدو أن ترامب حاول تهدئة مطالب الشرع، يوم الإثنين، من خلال إعلان وزارة الخزانة أنها ستوقف معظم العقوبات على سوريا، باستثناء تلك المتعلقة بالمعاملات مع روسيا وإيران. لكن الشرع يسعى إلى حلّ دائم، الأمر الذي يتطلب قانونًا من الكونغرس، ويبدو أن المشرعين الأمريكيين مترددون في تلبية مثل هذا الطلب ما لم تلتزم دمشق بعدة شروط، مثل ضمان التعددية الدينية في البلاد وتحسين العلاقات مع إسرائيل.
وقالت وورد إن رفع العقوبات الأمريكية عن دمشق أمرٌ حيوي لانضمام سوريا إلى السوق المالية العالمية، حيث جادل الشرع بأن الاستثمار الأجنبي ضروري لتعزيز نظام الرعاية الصحية في البلاد وإعادة بناء بنيتها التحتية الحيوية بعد أن دمّرت الحرب الأهلية، التي استمرت 13 عامًا، البلاد.
كما يسعى الرئيس السوري إلى الحصول على تمويل خارجي للمساعدة في إعادة الإعمار، والتي يقدّر البنك الدولي أنها ستتطلب 216 مليار دولار على الأقل.
ولكن الشرع ليس الوحيد الذي يريد الاستفادة من علاقاته مع واشنطن، حيث طلب ترامب منه الانضمام إلى تحالف يضم 89 دولة لمكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”، وهو أمر يقوم به الجيش السوري الجديد والمقاتلون الأكراد في شمال شرق سوريا.
كما يأمل ترامب بتوسيع “اتفاقيات أبراهام” وتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، والسماح بوجود عسكري أمريكي في قاعدة المزة، وبناء برج ترامب في قلب دمشق.
وكما كتب أستاذ العلوم السياسية مارك لينش في “فورين بوليسي”: “ترى واشنطن وحلفاؤها في المنطقة فرصة في ترسيخ مراجعة إيجابية للنظام الإقليمي من خلال دمج سوريا ما بعد الأسد بقوة في معسكرهم”.
من جانب آخر، تساءلت صحيفة “التايمز” البريطانية في افتتاحيتها إن كان ترامب قادرًا على عقد صفقة سلام مع شخص كان حتى وقت قريب “إرهابيًا عالميًا مصنّفًا على قائمة خاصة” وبمكافأة 10 ملايين دولار لمن يُدلي بمعلومات عنه. لكن الرئيس الأمريكي استقبل، يوم الإثنين، هذا الخريج من جماعات إرهابية مثل “القاعدة” و”الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة” بحفاوة في البيت الأبيض.
بعد أن أطاح بالطاغية بشار الأسد من السلطة، العام الماضي، أصبح السيد الشرع رئيسًا مؤقتًا لسوريا، ويمكنه أن يلعب دورًا هامًا في السعي نحو السلام في الشرق الأوسط.
واستدركت أن هذا الوضع ليس مستغربًا، إذا أخذنا حالة ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الذي أصبح شخصية رئيسية في اتفاقيات أوسلو عام 1993 مع إسرائيل، التي نبذ فيها الفلسطينيون الإرهاب واعترفوا بحق إسرائيل في الوجود.
انهار الاتفاق الذي حظي بإشادة واسعة في نهاية المطاف، لكنه أرسى نوعًا من السابقة للمسلحين المستعدين لتغيير مواقعهم مقابل الاحترام.
وفي الواقع، التقى السيد ترامب بالفعل بجهادي سابق في السعودية، ويبدو أن الرجلين حريصان على تطوير العلاقة.
وأضافت أن طموح الولايات المتحدة واضح، فهي تأمل أن تصبح دمشق، بقيادة الشرع، شريكًا في مكافحة تجارة المخدرات التي جعلت من شباب العديد من الدول المجاورة مدمنين.
يريد الرئيس الأمريكي أن تبتعد سوريا عن الأسلحة الكيميائية، وأن تمنع أي عودة للجماعات الجهادية. والهدف هو انضمام سوريا إلى تحالف تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”. ولا يزال هناك 2,500 مقاتل من التنظيم نشطين في سوريا والعراق.
وللحفاظ على هذا التهديد تحت السيطرة، يتعين على السوريين، الذين كانوا يُنظر إليهم في السابق على أنهم دمى في يد موسكو وطهران، أن يتعاونوا بشكل أوثق مع الجيش الأمريكي.
وقالت “التايمز” إن الهدف الأبعد ربما كان انضمام سوريا الديمقراطية إلى مجموعة “اتفاقيات أبراهام” للدول العربية التي تعترف بإسرائيل والمستعدة للتعاون معها.
إلا أنه سيكون من الصعب على الشرع التوافق على قضية مشتركة مع تحالف أبراهام المتوسع، إذ لا تزال إسرائيل وسوريا رسميًا في حالة حرب، حيث تحتل إسرائيل مرتفعات الجولان السورية.
وبالتالي، سيسعى ترامب إلى تحسين الصفقة. قد تُرفع آخر العقوبات الأمريكية المتبقية على سوريا، وقد تتدفق الاستثمارات إلى إعادة إعمار المناطق الحضرية التي دُمّرت خلال 13 عامًا من الحرب الأهلية.
كلّ هذا وسط أسئلة من شركاء واشنطن حول قدرة سوريا على الصمود، وهل يستطيع جهادي سابق أن يحل محل ديكتاتور قوي، أم عليه أن يُنشئ دولة بوليسية خاصة به؟
كما أن حجم إعادة إعمار كلٍّ من سوريا وغزة يثير بعض القلق في الغرب. فهناك زخم متزايد وراء تخفيف العقوبات الغربية، ليس فقط لأنه سيساعد على استقرار حدود إسرائيل، ولكن أيضًا لأنه يُسهّل عودة مئات الآلاف من اللاجئين الذين عاشوا العقد الماضي كمهاجرين غير مرحّب بهم دائمًا في أوروبا الغربية.
وعلى الشرع إثبات قدرته على توحيد بلده الممزق، وأن الجهاديين السابقين يستطيعون النجاة بدون إراقة الدماء، على حد قول “التايمز”.