
صدر عن منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت وعمّان، كتاب «رسالة اللاغفران: نقد ثقافي على تخوم مضطربة» للكاتب السوري المقيم في بريطانيا حسام الدين محمد. يتناول الكتاب بالنقد ظواهر تتداخل فيها الحدود بين قضايا الجغرافيا والاجتماع والثقافة والعلمانية والدين والجندر والسياسة عبر مقالات تنتظمها خيوط خفية بين هذه المسائل الشائكة.
يتابع الكاتب آثار هذه الظواهر الفاعلة في الحاضرة العربية كاشفا العلاقات بين التاريخ القديم والحيثيات الحاضرة، وتناقضات الشخصيّ والعام، وأعطاب العمل الثقافي والسياسي، والإشكاليات المريرة التي تحيط بكل ذلك. ويشغل موضوع فهم وتفكيك ظواهر الاستبداد مكانا رئيسيا في الكتاب، لكن الكاتب يبحث أيضا في مجالات تفيض عن المجال السياسي، وتعود إليه، من اللغة والثقافة، وصولا إلى تطرّقه لمناطق لا يتطرّق إليها النقاد عادة، مثل علاقات الكتاب والشعوب والحيوانات، إلى تلقّيه رسائل من شاعر ومن كاتب ميتين، إلى تورّط الزعماء السياسيين بكتابة الرواية والشعر، ورذائل الفلاسفة وغيرها.
يفسّر محمد عنوان الكتاب الفرعي بالقول، إن جغرافيته تقع ضمن اشتباك تخوم العالم الإسلامي الواسع، اجتماعا وسياسة وثقافة وعلوم نفس وأحياء إلخ، بتخوم الغرب (الواسع بدوره).
يعطي غلاف الكتاب أمثلة على مسعى الكاتب لتلمّس العلاقات الثقافية ـ الاجتماعية الخفية، من «المحكمة الباطنية» الفرعونية الأصل، التي يرفع لها المصريون شكاواهم، إلى خلاف المظلوميات الثقافية بين فلسطينيين، محمود درويش، وكرد سليم بركات، ومن صراع العلم والدين بين «قنديل أم هاشم» و»هدهد ماركس»، إلى الجذور الطائفية لانحيازات المثقفين، ومن نزاع فهم الحجاب بين فاطمة المرنيسي وفراس سواح، إلى رئاسة تحرير محمد الماغوط لمجلة «الشرطة» السورية.
يبحث الكتاب أيضا، كما يقول عنوانه، في الاستقطابات الثقافية ـ السياسية العنيفة التي تؤدي لأعطاب هائلة في المجتمعات، وضمن مثقفيها ونخبها بشكل يقضي على التسامح والتواد والعلاقات الطبيعية، كما يؤدي لظواهر ثقافية عميقة.
يرى الكاتب أن مهمة النقد الكبرى هي الاشتباك مع الإشكاليات على الحدود الحقيقية والمتخيّلة للعالم، وأنه عمل شخصي بقدر ما هو عام، ولتشريح ذلك يبحث قضايا مثل مصائر بنات الكاتب السوداني الطيب صالح، وعلاقتها بروايته الشهيرة «موسم الهجرة إلى الشمال»، ومثل لغز اختفاء الكاتبة البريطانية أغاثا كريستي بعد معرفتها بخيانة زوجها لها.
تتقصى المواضيع، كما يقول الكاتب في مقدمته، معمار دمشق كثير التفرعات والدهاليز والمشربيات والحدائق الداخلية المخبأة، لكنها كما يقول، «تستهدي أيضا بالخطوط السريعة العريضة التي تربط المدن والقارات، وتنقل شاحنات البضائع والبشر والأفكار»، وبذلك ينسج الكتاب قماشه «بين أسئلة محيّرة وإجابات تحاول مجابهة غيلان الواقع ومخاتلات الأيديولوجيا».