كيف غيّرت موجة الهجرة ألمانيا؟

أ ف ب-الامة برس
2025-08-29

حي نويكولن في برلين في 28 آب/أغسطس 2025 (أ ف ب)برلين- على طول شارع زونين آليه في برلين، يجتمع رجال أمام مقاهي الشيشة، بينما تسير نساء محجبات وهنّ يدفعن عربات أطفال أمام محال للحلويات العربية، في مشهد يومي يعكس تحوّلا عميقا في حي نويكولن، الذي بات رمزا لألمانيا جديدة تغيّرت جذريا خلال العقد الأخير.

وصل عدد كبير من المهاجرين خلال موجة الهجرة عام 2015، حين استقبلت البلاد نحو مليون شخص من سوريا وأفغانستان والعراق في أشهر قليلة.

بالنسبة إلى التقدميين، يُعد حي نويكولن رمزا حيا لألمانيا الحديثة والمتعددة الثقافات، والتي استخلصت الدروس من ماضيها النازي القاتم.

يبدي الحلاق مصطفى محمد (26 سنة) إعجابه بشارع زونين آليه الذي يُعرف بأحد "الشوارع العربية" حيث يُمكنه تذوّق حلويات دمشق الشهيرة أو كباب حلب، مسقط رأسه الذي فر منه.

لكن بالنسبة إلى المحافظين، يشكل حي نويكولن مؤشرا لفشل الاندماج والتغيير الجذري الذي أحدث انقساما في البلاد وساهم في الصعود السريع لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، الذي أصبح حاليا ثاني أكبر قوة سياسية في البلاد.

- "اندماج ناجح" -

في حين يسلط البعض الضوء على التأثيرات الإيجابية للتنوع، أو النجاحات الشخصية للمهاجرين أو المساهمة الأساسية للعمالة الأجنبية في التعويض عن الشيخوخة الديموغرافية، تقول جماعات محلية كثيرة إنها وصلت إلى حدود قدرتها على الاستقبال، سواء من حيث الخدمات العامة أو السكن.

وتختلف سياسة الحكومة الحالية تجاه الهجرة اختلافا جذريا عن السابق.

رغم انتمائه إلى الحزب الديموقراطي المسيحي الذي تنتمي إليه أنغيلا ميركل، شدّد المستشار الجديد فريدريش ميرتس منذ توليه السلطة في أيار/مايو، الرقابة على الحدود، وقواعد لمّ شمل العائلات والتجنيس، وأعاد المجرمين الأفغان إلى بلدهم الذي لا يزال تحت حكم طالبان.

هذا "الاندماج الناجح" هو هاجس وطني فعلي، وله سوابق تاريخية تتمثل في "العمال الضيوف" الذين أتوا من إيطاليا واليونان وتركيا في خمسينات القرن الماضي.

- ربط الثقافات -

تضم ألمانيا حاليا أكثر من 25 مليون نسمة من "أصول مهاجرة"، أي مَن ولدوا أو وُلد ذووهم في الخارج، ما يعادل نحو 30% من السكان. أكثر من مليون منهم من أصل سوري، وهي جالية لم يكن تأثيرها كبيرا قبل عام 2015.

دخلت كلمات عربية مثل "يلا" و"حبيبي" إلى مفردات الحياة اليومية، لا سيما بين الشباب.

كذلك، أُدخلت حصص اللغة العربية في المدارس. من موسيقى الراب إلى المسرح، وجدت ثقافة شرق أوسطية معاصرة أرضا خصبة في ألمانيا.

يشير الإمام السوري أنس أبو لبن (30 سنة) إلى أنّ من بين نحو 2500 مسجد في البلاد غالبا ما كان يرتادها في السابق الأتراك، باتت المجتمعات متنوعة، كما هو الحال في بارشيم، بين برلين وهامبورغ (شمال شرق).

في مسجد هذه البلدة الصغيرة، بات القرآن يُدَرَّس إما بالعربية وإما بالألمانية لأن بعض الشباب "يفهمون اللغة الألمانية بشكل أفضل" من لغة أهلهم.

- مهمّون للاقتصاد -

بالنسبة إلى البالغين، تم تحقيق الاندماج عبر العمل. وبالنسبة إلى غالبية السوريين، يتمثل ذلك في وظائف ذات أجور منخفضة في القطاعات التي تعاني من نقص في اليد العاملة، مثل النقل، واللوجستيات، والتصنيع، والصناعات الغذائية، والرعاية الصحية، وقطاع البناء والأشغال العامة...

سيحتاج أكبر اقتصاد في أوروبا إلى مهاجرين أكثر من أي وقت مضى خلال السنوات المقبلة، بحسب المعهد الألماني للدراسات الاقتصادية (DIW)، الذي يتوقع نقصا في القوى العاملة يبلغ حوالى 768 ألف عامل في عام 2028.

ويمثل الأجانب 15% من العاملين في مجال الرعاية الصحية، بحسب اتحاد المستشفيات.

عندما دعت شخصيات يمينية ألمانية إلى عودة اللاجئين السوريين بعد سقوط بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، دافع القطاع عن أطبائه السوريين البالغ عددهم نحو5000 طبيب.

في العام 2022، كان نحو ثلثي اللاجئين الذين وصلوا عام 2015 يعملون، بحسب معهد أبحاث التوظيف (IAB). ولكن مع تسجيل 28% سنة 2024، يظل معدل البطالة لديهم أعلى بأربع مرات من معدل البطالة بين إجمالي السكان.

يحصل حوالى 44% من اللاجئين على إعانات اجتماعية، بحسب الوكالة الاتحادية للتوظيف، ما أثار استياء واسعا.

وتتحمل السلطات المحلية القسم الأكبر من الإعانات الاجتماعية، وتقول إنها باتت مثقلة بالأعباء.

في حين غادر مهاجرو عام 2015 مراكز الايواء الطارئة، لا يزال هناك عدد كبير من المخيمات للوافدين الجدد، وخصوصا من أوكرانيا.

يعيش نحو 1300 شخص في حظائر الطائرات في مطار تمبلوف السابق في برلين والذي يعود تاريخه إلى الحقبة النازية.

وتحتوي كل وحدة سكنية جاهزة على أربعة أسرّة وخزائن وطاولة، بمساحة إجمالية قدرها 12 مترا مربعا.

- صعود البديل من أجل ألمانيا -

تُعدّ التوترات الناجمة عن تدفق المهاجرين على قطاعي السكن والخدمات العامة بمثابة فرصة ذهبية لحزب البديل من أجل ألمانيا، الذي حقق نسبة تصويت تاريخية بلغت 20,8% في الانتخابات التشريعية الوطنية التي جرت في شباط/فبراير. ويطالب حاليا بشكل علني بما يسميه "إعادة المهاجرين" أو "الترحيل الجماعي".

منذ بداية عام 2016، تعزز صعوده نتيجة الاعتداءات الجنسية التي تعرضت لها 1200 امرأة خلال ليلة رأس السنة، نصفهن تقريبا في مدينة كولونيا، بحسب تقرير نهائي للشرطة الجنائية نقلته وسائل إعلام عدة.

وفي الأشهر الأخيرة، أدت هجمات جديدة بسكاكين أو باستخدام سيارات لدهس المارة، تورط فيها طالبو لجوء، إلى جعل قضية الهجرة محورا رئيسيا في الحملة التشريعية الأخيرة.

- تزايد انعدام الأمان -

ازدادت أعمال العنف بنسبة تقارب 20% خلال العقد الماضي، وفقًا لإحصاءات الشرطة.

في عام 2024، كان نحو 35% من المشتبه بهم من الأجانب، وخصوصا سوريين، بحسب الشرطة الجنائية.

مع ذلك، يرى الأستاذ في علم الإجرام في جامعة كولونيا فرانك نويباخر أن "القول إننا نواجه حالة طوارئ غير مسبوقة ولا يمكن مقارنتها بأي شيء آخر هو مبالغة".

ويشير إلى أن حضور المهاجرين بارز لأنهم أكثر احتمالا أن يكونوا من الشباب، ومن الذكور، ويعيشون في المدن الكبرى، وهذه عوامل تزيد من احتمال ارتكاب الجرائم.

تُعتبر هذه الفئة أيضا هدفا للاعتداءات، فقد ارتفع التمييز وأعمال العنف الناجم عن كراهية الأجانب بنحو الثلث خلال عام واحد، ليصل إلى قرابة 19500 حالة عام 2024، بحسب الشرطة الجنائية.

ويثير تشديد سياسات الهجرة قلقا لدى عدد كبير من المهاجرين.

وبحسب دراسة أجراها معهد أبحاث التوظيف ونُشرت في كانون الثاني/يناير، يُفكّر واحد من كل أربعة مهاجرين في مغادرة ألمانيا.

وتشمل الأسباب غياب الأسرة، والضرائب المرتفعة، والبيروقراطية، والشعور بالانعزال المرتبط بالسياسة أو اللغة.

منذ كانون الأول/ديسمبر عند سقوط بشار الأسد، قرر نحو 4 آلاف سوري في ألمانيا العودة إلى بلدهم وفق بحث أجرته قناة "ايه آر دي" التلفزيونية العامة.









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي