
الخرطوم- في خيمة تستخدم كعيادة طبية في مخيم الدبة في شمال السودان، تقدّم الطبيبة إخلاص عبد الله، بوسائل بسيطة متوافرة، العلاج لمئات شاركوها النزوح الشاق من إقليم دارفور الذي سيطرت عليه قوات الدعم السريع الشهر الماضي.
وتقول عبد الله "لسنا في حالة جيدة، ولكننا مجبرون أن نكون في حالة جيدة لنقدّم العلاج لمن يحتاجه طالما نحن سليمون... أما من الناحية النفسية فماذا يمكن أن نفعل؟ مثل كل النازحين من الفاشر، شعورنا لا يمكن وصفه".
وتعيش مئات الأسر النازحة في مخيم اللاجئين بالدبة، بينهم نحو 60 عاملا طبيا، فيما أقامت منظمات دولية عيادات متنقلة تقدّم الإسعافات الأولية وخدمات الصحة الإنجابية والدعم النفسي.
وتقول إلهام محمد، وهي صيدلانية نزحت من الفاشر إلى الدبة، "أتينا من المكان نفسه الذي أتى منه باقي النازحين. نفهمهم ويفهمومننا".
ويقع المخيم الذي يمولّه رجل أعمال سوداني، في منطقة زراعية قرب نهر النيل يسيطر عليها الجيش السوداني.
وخسر الجيش في 26 تشرين الأول/أكتوبر مدينة الفاشر بعد حصار طويل على المدينة من جانب قوات الدعم السريع التي باتت تسيطر على كل غرب السودان. ومنذ ذلك الحين، تتوالى التقارير عن نزوح جماعي ومجازر وانتهاكات تحصل في المدينة ومحيطها.
في مخيم الدبة، أقيمت خيم مزوّدة بأسرّة أو بفرش بلاستيكية لنازحي الفاشر. كما توجد فيه حمامات مستحدثة ومطابخ توزّع فيها وجبات طعام مجانية.
وتوجد في المخيم خمس عيادات بدائية، وخيم زرقاء تحوّلت الى صيدليات أو مختبرات، أو غرف عمليات، أو وحدات طبية لطوارىء.
ويمكن رؤية سيارات إسعاف تقوم مقام عيادات نقّالة، أرسلتها الى المكان بلدة الدبة الواقعة على بعد عشرين كيلومترا شمالا.
ويفيد الطبيب أحمد التيجاني الذي تطوّع مع العيادة المتنقلة للمنظمة الدولية للهجرة بأن معظم النازحين من الفاشر يعانون من التهابات رئوية ومعوية ومن الإسهال والأمراض الجلدية وأمراض العيون.
ويقول التيجاني لوكالة فرانس برس "نحاول تغطية جميع الاحتياجات الطبية في المخيم، لكننا بحاجة إلى موارد إضافية، لأن أعداد النازحين في زيادة وبعض الأدوية غير متوافرة".
ويضيف "نقدّم الخدمة الطبية بالمتاح لدينا، ولكن بعض الحالات تحتاج إلى رعاية متقدمة".
وتروي المتطوعة فاطمة عبد الرحمن أن أكثر من 150 امرأة مرضعة وصلن الى المكان، وتمّ الاهتمام بهن، مشيرة الى أن عددا منهن أنجبن على الطريق، بعد أيام من السير على الأقدام.
- على الطريق -
وفرّ نحو 100 ألف مدني من الفاشر منذ سقوطها في قبضة قوات الدعم السريع في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بحسب الأمم المتحدة. ولا يزال عشرات الآلاف عالقين داخل المدينة يعانون المجاعة وانهيار البنية التحتية وآثار 18 شهرا من الحصار.
وتقول عبد الله إنها وزملاءها حاولوا تقديم الرعاية الأولية للمصابين على الطريق من الفاشر الذي يمتد لأكثر من 700 كيلومتر حتى الدبة، لكن كثيرا ما كانوا يضطرون لترك المصابين بلا تضميد، "لأن مقاتلي الدعم السريع إذا اكتشفوا أن الشخص تلقى العلاج يقومون بضربه مرة ثانية".
وتقول عبد الله إن "الكوادر الطبية هي من أكثر الشرائح المستهدفة"، مشيرة الى أنها تمكّنت من الوصول الى المخيم في الولاية الشمالية في السودان بعد أن أخفت مهنتها عن قوات الدعم السريع.
وتضيف "على الطريق، إذا عرفوا أنك طبيب تكون الخيارات القتل أو الأسر أو الفدية" بمبالغ كبيرة.
وحذّرت منظمة الصحة العالمية مرارا من "الهجمات المروّعة على مرافق الرعاية الصحية" التي أودت بحياة أكثر من 1200 من العاملين بالقطاع الصحي جراء 185 هجوما على منشآت صحية في السودان منذ نيسان/أبريل 2023، تاريخ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع والتي أسفرت عن سقوط عشرات آلاف القتلى وملايين النازحين.
- "لم يتبقَ أحد لإسعافه" -
وتروي عبد الله أنها غادرت الفاشر في شمال دارفور بعد سيطرة الدعم السريع عليها.
وتتحدث عن استهداف الدعم السريع للمستشفى السعودي الذي كانت تعمل فيه بشكل متكرّر، ما تسبّب بمقتل مرضى وأفراد من طواقم المستشفى.
ودانت منظمة الصحة العالمية هجوما في نهاية الشهر الماضي على المستشفى أسفر عن مقتل أكثر من 460 شخصا، الأمر الذي وصفته بالـ "فاجعة".
وتذكر عبد الله أنها كانت غادرت المستشفى إلى المنزل ذات مساء عندما سمعت "صوت طائرة مسيّرة. حين سقطت الطائرة على المستشفى، توجهنا الى هناك فورا، ولكن لم يتبقَ أحد لإسعافه".
وتضيف كان "من الصعب التعرّف على الكثير من الجثث. تحوّل الناس إلى أشلاء..كأن ما رأيناه لم يكن حقيقيا. رعب مثل الأفلام".
لكنها تقول إن "الوضع على الطريق كان أسوأ من داخل الفاشر.. الناس أغلبهم تعرضوا للضرب والمستشفيات في المناطق الريفية لم يعد فيها أطباء وأصبح المساعدون الطبيون يقومون بمعظم الأعمال".
وتضيف "عدد القتلى على الطريق كان أكبر من عدد القتلى داخل الفاشر".