لم تعد السهرة ماجنةً

2025-07-11

* اللوحة (القرية) للفنان الروسي فيودور ألكساندروفيتش فاسيليفجميل مفرِّح*


لا تلقوا التحية أيها العابرون..
هناك من ينامون واقفين
وهناك من يسيرون نائمين
وأنا ممن لا يحبون الحكايات العابرة..
ابيضت جديلة الأحلام
التي ظفرتها البنت القروية
قبل ثلاثين عاماً
تفتت كحفنة ثلج خانتها الفصول..
الفصول ليست مسئولة عن أولئك
الذين يثلجون أحلامهم
بالقرب من مواقد الحرمان..
الحرمان لم ينجب الجوع وحسب
في الطرقات ما يكفي
لإطفاء غضبه من كسر الخبز
المعدة كأرزاق جاهزة وسريعة..
الوجبات السريعة لا علاقة لها
بالفصول... ومجددا:
الفصول ليست مسئولة عن القرى
التي تلتهم فتياتها الجميلات..
الجميلة هذه تسربت كقطرة زئبق
من بين أصابع القضاء وأظافر الندم
أخفت لمعانها في شقوق المنازل المهترئة..
الاهتراء لم يعد مناسبا
كملبس للقرى التي يسقط عليها
المطر في الصباح الباكر
والصباح الباكر لم يعد ممطراً
لم يعد مستعدا للتضحية
ولا قادرا على غسل أدران القرويين..
القرويون لم يعودوا أبرياء
لم تعد لديهم حقول خضراء
وسنابل غدقة تُسيل الابتسامات
على الوجوه المغبرة..
الوجوه المغبرة مضى زمن طويل
دون أن تتحول إلى كاكاو
وبن محمص وفطائر ساخنة
مدهونة بالدعاء والأمنيات..
الأمنيات لم تعد يافعة
ولم تشخ بقدر كاف لأن تنتظر الموت..
الموت يجتمع بأعيان القرية كل مساء..
ويطلب حصته من الغنائم المسروقة..
السرقة لم تعد عيباً كما كنا نعرفها
وحدها فقط من خلعت نقابها
وأطلقت شعرها للريح..
الريح لا تقوى على تحريك الجدائل
وحبيبتي تركت جديلتها مظفورة
كل هذا..... حتى التهمها البياض.
البياض لم يعد ملكية حصرية للورق
ولا لغة للكذبات العابرة والمبررة..
صار ثلجاً يتساقط من سماء بعيدة
على الصدور المهجورة
فيمعن في تحويلها إلى خرائب جوفاء..
أين ذهبت القلوب
أيتها القرى الموحشة..؟!
كيف تلاشت الأروح أيتها المدن
الزائفة..؟!
أزيلي ماكياجك المستعار الآن
لم تعد السهرة ماجنة..
أزيحي عن وجهك رماد حبيبتي
وبقايا الابتسامات التي تحجرت
البارحة على شفتيك
المنهكتين..
لا تتظاهري بالنوم في حضني
لم يعد لي حضن
صرت سماء وماء، ريحا وملحا
أزيحي عن عنقي موجك المحمل ببقايا
الذكريات المقذوفة من قلب الصمت..
اتركيني.. سأعود إلى القرية
أكتب هناك نصي الأخير وأقرأ
ما أستطيع منه على قبر حبيبتي قبل
أن أذرف جسدي وأحلق بعيدا في السماء.

 

*شاعر يمني









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي