
عمار كشيش*
المعلّمُ بصوتٍ عالٍ:
□ بدأتِ الاستراحة.
ثم همس:
□ لكنّما القمرُ في وجهي مثلَ قلبِ نخلة،
راحَتُه أن يظلّ مستمرًّا هكذا…
وضربَ طبلَ الهواءِ عدّةَ ضربات،
حاولَ ألّا يراه أحدٌ في هذا المشهد.
لكنّ الطالبَ الشاعرَ، سمعه،
وخاطبَ شجرةً جريحةً في منتصفِ بيتِه البعيد،
وخاطبَ المعلّمَ أيضًا:
□ كلامُك حفَرَ بئرًا في الجدار!
(المعلّم: / الطلّاب: HH)
المعلّم:
□ تُحدّثُ نفسَك، أيّها الطالب؟
هل أنتَ شاعرٌ ممسوس؟
الطالب الشاعر:
□ كلامُك حفَرَ بئرًا في الجدار!
الطلَبَة:
□ المعلّمُ لم يقلْ شيئًا.
المعلّم:
□ كيف يُحفَرُ بئرٌ في الجدار؟
الطالبُ الشاعر:
□ مَن يُطفئُ النار؟
وصلتُ إلى عشٍّ هنالك، أعلى الشجرة!
مَن يُوقظُ الميّتَ كي يُغنّي ويرقصَ كعادته؟!
سخريةٌ مشتعلةٌ في عيونِ الطلبة،
إعجابٌ سرّيّ، وألَمٌ سرّيّ في قلبِ المعلّم.
قلبُه المعصورُ: طائرٌ في قبضةِ الكارثة.
سيصرخُ الطائر…
لكن، تأقُّمًا مع الواقعِ التالف،
خنقَ المعلّمُ الطائر.
المعلّمُ بهدوء:
□ أنتَ مسكين.
٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭
تألّمَ المعلّم،
فلديه عينُ شاعرٍ مُخبّأةٌ تحتَ قميصِه.
عينُه ربّما ذرفتْ دمعةً بحجمِ بكتيريا،
واطمأنّ ألّا أحدَ يرى هذا الكائنَ المجهري.
٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭
المعلّمُ بصوتٍ عالٍ:
□ هل تقرؤون رسالةَ بائعِ الشِّعرِ البناتِ
الآتيةَ من النافذة؟
رغمَ أنّ هذا المعلّمَ شاعر،
لكنّه لا يعني نافذةً في الغيم،
ولا نافذةً يرسمها الطائرُ وهو يتسلّى مع روحِه.
لكنّ الطالبَ الشاعرَ سمعَ الصوتَ القادمَ من تحتِ قميصِ المعلّم،
وهتفَ:
□ صوتُك يشقّ بئرًا في الجدار!
دهشةٌ في عيني المعلّم.
الطالب:
□ شمسٌ جالسةٌ في النهر!
سريعًا، محا المعلّمُ الشمس.
المعلّم:
□ أينَ الشمسُ وأينَ النهر؟
لا يوجدُ شيءٌ من هذا، أيّها المعتوه!
الطالب الشاعر:
□ رأيتُ الشمسَ جالسةً في النهر!
ولم يستطعْ تحمُّلَ السخريةِ هذه المرّة،
خرجَ من النافذةِ العُليا.
ورأى الناسُ
طائرةً ورقيّةً ترفّ عاليًا،
تتّجهُ صوبَ البساتينَ البعيدة
التي يكمنُ تحتَ نخلِها الصيّادون.
أعجبتِ المعلّمَ تلك الطائرةُ المتمايلة.
عادَ المعلّمُ إلى البيت.
أخرجَ رغباتِه وقصائدَه،
مسحَ عليها،
ثم خبّأها ثانيةً،
وتأكّدَ أنّ الألوان
لن تشعّ من الصندوقِ المُقفَل.
رفرفتِ الطائرةُ الورقيّةُ قليلًا في ذاكرتِه،
ثم انزلقتْ في حفرةِ النسيان…
ولم تخرجْ حتى هذه اللحظة.
٭ شاعر عراقي