
هايل علي المذابي*
في اليمن تراث شاسع يمتد امتداد جذور الإنسان اليمني الضاربة في أعماق التاريخ، وثمة تنوع ثقافي يستعصى حصره، فعندما نتحدث مثلا عن طقس العيد في اليمن، فهذا يحيلنا إلى تأليف كتاب كامل عنه، وليس مجرد مقال، لولا أننا سنقول ما يمكن أن ينطوي على الفائدة؛ ولتكن البداية من الريف اليمني، والذي يستعد الأطفال والفتيات للعيد فيه بشكل يختلف نسبيا عن المدينة، ولعل أهم ملمح مختلف يمكن تحديده هو ملمح إشعال النيران على رؤوس الجبال في ليلة العيد، كأول بشارة وعلامة على العيد وإيذاناً بقدومهِ، والتأكد من رؤية الهلال؛ وهي طريقة تشبه البريد والإذاعات واستخدمت قديما حيث كانت الأخبار تنقل عبر إشعال النيران في أوقات السلم والحرب، وعندما ترى القرية المجاورة النار التي أشعلها أهل القرية التي بجوارهم يفعلون الشيء ذاته ثم يقوم من يليهم بفعل ذات الفعل وهكذا يستمر الأمر حتى تعلم جميع القرى بما يكون، سواء كان حربا أو سلماً، ولكل طريقة. بالإضافة إلى ملمح اجتماع نسوة القرى مع بناتهن وأطفالهن ومكسرات العيد، بعد تناول وجبة الغداء وذهاب الرجال إلى مقايل القات، ويذهبن في نهار العيد إلى منطقة في الوادي تخصص لاجتماعات العيد، كما هي أيضا خاصة بنشر الحبوب في طقس الحصاد، وهي عبارة عن منطقة دائرية مرصوصة بالأحجار في شكل هندسي جميل ومبهج إذ تكون الأحجار ملونة بألوان طبيعية وتسمى هذه الدائرة في القرى الشمالية بالـ"محجر" وبعضها بالـ"جرين"؛ وكلمة جرين هي ذاتها كلمة أخضر Green الإنجليزية فهذا المكان في الوادي في العادة يمتاز بالخضرة الوافرة، وأما في المناطق الساحلية فتجتمع النساء في نهارات العيد في الحارات/الحافات وفي السواحل حيث تنصب لهن الخيام الصغيرة والسواتر التي يسلمن بها من الأذية والإزعاج وفي المدن فالفسحة تكون في الحدائق العامة.
وأما بقية الطقوس في العيد فهي متماثلة في الريف والحضر في السهل والجبل؛ حيث تحرص الفتيات أولاً استعدادا للعيد على أن تحظى كل واحدة منهن بنقش الحناء، أو نقش الخضاب ويكون قبل العيد بيوم أو يومين؛ وأما الفتيان والشباب فكسوة العيد وحلاقة الشعر والذهاب إلى حمام البخار أهم ملمح من ملامح العيد لديهم، وأما الأطفال فلا بد من أن يحصلوا على ما يكفي من الألعاب النارية لاستهلاكها في صباح العيد ونهارهِ، بالإضافة إلى الأسلحة النارية البلاستيكية التي يشترونها صباح العيد من حسابهم الخاص الذي يحصلون عليه من أقاربهم وزوارهم، وأما الأمهات والبنات فعليهن تحضير الكعك في ليلة العيد أو قبلها بيوم أو يومين، في حين يلزم الآباء شراء ملابس العيد للأولاد والبنات وشراء الحلويات والمكسرات التي تقدم في صباح العيد للضيوف الزائرين.
![]() |
يبدأ يوم العيد بصلاة العيد التي يحرص عليها الصغير قبل الكبير وفي الصباح الباكر ذاته وقبل أن تشرق الشمس تُزار الأرحام وتعطى ما تيسر من المال، ويسمى ذلك "عسب العيد" في الثقافة اليمنية، ويسميه الأطفال "حق العيد"، ويسمى في الخليج "عيدية"؛ بعد ذلك يجتمع الرجال والأطفال على قرع الطبول والمزمار، ويرقصون وتردد الزوامل الشعبية؛ وبعضهم يفضل أن يفعل ذلك في مناطق القنص بالسلاح الناري "الكلاشينكوف" مثل منطقة وادي ظهر في أطراف صنعاء، وهي منطقة جبلية سياحية مشهورة باحتضان هذان الطقسان تحديدا "القنص والرقص"؛ وتكون نزهة العرسان في الأغلب إلى هذه المنطقة؛ ويختلف المكان من منطقة إلى أخرى؛ وهنا في مثل هذه الأماكن والمناسبات يتم تدريب الصغار وتعليمهم طريقة استخدام السلاح تماما كما يتكرر ذلك في المناسبات الأخرى كحفلات الأعراس؛ ولا ننسى شراء أهم ما يدل على العيد من أطعمة وعلى رأسها "اللحم" بمختلف أشكاله وتحديدا في عيد عرفة وهو العيد المخصص لتقديم الأضاحي وخصوصا لحم الكباش والماعز ولحوم الثيران بمختلف أعمارها، ويكون ذلك تحديدا بعد زيارة الأرحام مباشرة وقبل طقس الرقص والقنص "النصع".
وقد تستغل أيضا أيام العيد للاحتفال بالأعراس فيكون الفرح فرحين والسرور سرورين فتنصب الخيام وتقام الولائم وتشتعل السماء بأضواء الألعاب النارية.
يبقى فقط الإشارة إلى ملمح الموسيقى المرافقة لطقس العيد في اليمن وأعتقد ألا شيء يجمع عليه اليمنيون ويتفقون في شرق اليمن وغربها وشمالها وجنوبها، مثل إجماعهم على أغنية علي بن علي الآنسي الخاصة بالعيد "آنستنا يا عيد"؛ فما تكاد ليلة العيد تهل حتى تبثها لا إرادياً كل الإذاعات والفضائيات اليمنية وحتى عاشر العيد، في حالة يصعب إيجاد تشبيه مناسبٍ لها، رغم كل هذه التراكمات البلاغية الوصفية التي يزخر بها تاريخ البلاغة العربية. وإن كان ولابد من المحاولة فلنذكر قول الشاعر القديم:
"ألهت بني تغلبٍ عن كل مكرمةٍ.. قصيدةٌ قالها عمرو بن كلثومِ"
لقد جمعتهم أغنية "آنستنا يا عيد" على قلب رجلٍ واحد؛ وفرقتهم مذاهب الدين وأحزاب السياسة؛ فالسياسة ها هي تعجز عن فعل ذلك؛ فأكبر زعيم من زعامات اليمن على مر تاريخها بدءا من كرب إيل وتر الذي وحّد الجزيرة العربية، وحتى اليوم لم يُجمَع عليه كما أُجمِعَ عليها؛ بل وحتى الدين الذي يعتنقونه لم يستطع أن يحقق ذلك فها هم طوائف وفرقٌ شتّى ومذاهب متناحرة عصيّةٌ على الحصر.
*كاتب ومسرحي يمني