قصيدة ..نحو الشمال

خالد كاكي*

صباح الخير أيها الأصدقاء
إنها السادسة فجراً
وقد تحرّكنا
قبل قليل من جنوب القطاع
أنا، ومن تبقى من عائلتي
برفقة مليون أو أزيد،
ونحن ماضون الآن
نحو الشمال.
صباح الخير
فقد طوينا خيماً سكنّاها
مثل أشباح لأكثر من عام
وأطفأنا نيراننا
وحزمنا أمتعتنا القليلة مع ما تراكمت من أحزان.
أختي الصغرى
سقت للمرة الأخيرة
وبفرحة غامرة
نبتة
زرعتها قرب الخيام
وأخي جمع ثيابنا القليلة في حقيبة ظهر
وقرّرنا جميعاً
العودة إلى منازلنا المدمّرة في الشمال.
صباح الخير يا هذا العالم
فقد توقف إطلاق النار كما تقول نشرات الأخبار
وأصبح بإمكان كل واحد فينا
أن يخرج من مخبئه
من خيمته في الجنوب
من بقايا البيت الذي يسكن بين حطامه
ليتنفس
ليتأمل لون السماء
ليشم هواء البحر
وليبكي أخيراً عند الخرائب
على من يتنفسون الآن
تحت التراب.
صباح الخير أيها الأصحاب
أيها الأحباب
صباح الخير
سأحمل اليوم أمي المريضة على ظهري
وأخي الأصغر
سيحمل موقداً صغيراً
وأمتعة أخرى
وبعض الطعام لطريقنا الطويل
بينما سيحمل أخي الأكبر
جثة أبي الذي أوصى بأن ندفنه
قرب قبر أبيه في الشمال.
صباح الخير
أيها العالم المستيقظ على وقع خطانا
نحن أكثر من مليوني إنسان
خطوتنا واحدة
لقلوبنا نبض واحد
وها أننا وبمعجزة
جميعاً أحياء.
سنسأل عن بعضنا بعضا
وسنواصل البحث بين الأحياء
عن أحياء.
صباح الخير أيها الأصدقاء
لعلكم تشاهدوننا الآن عبر التلفاز
أو من شاشات هواتفكم الذكية
أو لعلّ رفيفَ قلوبنا
بلغ شواطئكم
مع أجنحة نوارسَ فرّت من صخب الحرب.
نحن اليوم
عائدون إلى أرضنا
عائدون إلى أسمائنا وألقابنا
إلى أحاديث جداتنا
إلى شوارع وبساتين
تركناها وحيدة
إلى أيام وسنين ضاعت بلا أثر
إلى حنينٍ
أصبح يشعر بالحنين
نَعِدكم جميعاً
أن هذا كل ما في الأمر.
استمروا في تناول الفطور بعد انتهاء الخبر
عودوا إلى أعمالكم
أكملوا نهاركم بسعادة
واستمتعوا بوقتكم فحسب
فنحن في طريقنا ماضون
وأول ما سنفعله عند الوصول
هو تقبيل ما تبقى من حجر.
صباح الخير أيها الأشرار
أيها المستيقظون فجراً
قبل أن يعمَّ الخيرُ هذا العالم
استيقظنا اليوم قبلكم
ونحن سعداء ومحتفلون
فقد وافق أخيراً بعض البشر
على أن نعيش ولو بتعاسة
لحفنة صغيرة أخرى من الأعوام.
صباح الخير أيها العالم المتحضّر
نعتذر بشدة
عن قساوة مشهد عودتنا
نحو بقايا منازلنا
هذا ليس فيلماً تاريخياً
ليس للأسف ماراثوناً رياضياً
وليست مسيرة جماهيرٍ
لها مطالب.
لا نريد شيئاً
ونحن فقط سائرون
على أقدامنا المنهكة
بيننا كهول ومرضى
بيننا ذوو همم عالية
وبيننا من أفقدته الحرب صوابه.
بعضنا لديه دراجة هوائية
والأكثر حظاً
لديهِ عربة وحمار.
عائدون إلى أنفسنا
ومثقلون بها
عائدون إلى أنفاسنا التي قُطعت
وهذا ليس بعارٍ علينا
وإنما هو عاركم
أيها الأحرار.
صباح الخير أيها الأخيار
صباح الخير أيتها السنابل في أرض الشمال
صباح الخير يا نسيم البحر هناك
صباح الخير جثث أهلنا النصف مدفونة مثل الأشجار
صباح الخير دعاء أمي الذي لم يغادر باحة الدار
صباح الخير صلاة أبي التي لم تكتمل.
صباح الخير
أخوتي الذين محت الحربُ ابتساماتهم من الصور
صباح الخير يا عجز الكلمات.
صباح الخير جاري الذي مزقته الشظايا
صباح الخير أغنياتنا الميتة في الحناجر
صباح الخير أيتها المتاجر المسروقة
أيتها المزارع المحروقة
أيتها المقابر.
صباح الخير ذكرياتنا المقتلعة من الدفاتر
صباح الخير أمطارنا السجينة بين الغمام
صباح الخير مدارسنا المزروعة بالألغام.
صباح الخير يا صمتنا المشحون بالبكاء
صباح الخير يا أسماء تبحث عن أسماء
يا لغة خرساء
تبحث عن صوتها المدفون مع الأشلاء.
صباح الخير قبر جدي المبتسم للعشب النابت عليه
صباح الخير يا متحف الأحلام
صباح الخير يا ملجأ الأيتام
صباح الخير بلادي المنهوبة
صباح الخير بلادي المنكوبة
صباح الخير بقايا القمح
في جوف حمامة مذبوحة
صباح الخير موتانا المبتسمون للصحافة
صباح الخير أيها المشفى الراقد في مشفى
صباح الخير أشعة الصباح
صباح الخير يا بلدي المستباح
صباح الخير يا أرضنا الجرداء
أرضنا البكماء
أرضنا الضاحكة بعد بكاء
صباح الخير سماؤنا الناظرة إلى السماء
صباح الخير يا أيها الضوء
وأنت تنير رقاب المنائر
وأنت تمحو الدوائر
وانت تحصي اليوم معنا الخسائر.
صباح الخير أيها الظلام
وأنت تعمي البصائر
صباح الخير يا زيتونة صامدة
وأنت تبلغين اليوم من العُمر
أكثر من ألف عام.

*شاعر وقاص من العراق/ بلجيكا