![](/img/grey.gif)
المثنى الشيخ عطية *
تنظر إليكَ بما
لا يُعَدُّ من عيونٍ متشابكةٍ
مطفأةٍ من بريقِ لحظةِ مفاجأةِ الحبيب
مسبَلةٍ على أحلام جدوى تفتّح أزهار الحديقةِ
حالمةٍ بمخرزٍ يسيل ماءً ما أنْ يلامَسها
وخاليةٍ من الأريكة التي تمنّت أن ترتاح عليها
بعد جنون ساعة المطاردةِ/ ربّما
تنظر إليك بكسورٍ في أغصان الصدر
تهتّكٍ في أوراق الوجه وبراعم الرأس التي غيّرتْ ملامحها/ ربّما
بمنحدراتٍ في صدر الجبال بآبارٍ محفورةٍ في بطن التلال
بجذوعٍ مسلوخة اللحاء بفأس التحطيب
بصفائحَ معلَّمةٍ برصاص التدريب على الرماية/ ربّما
تنظرُ إليك بأفواهٍ لوَتْها خطاطيفُ صنّارة الصيد/ ربّما
بصرخاتٍ مختبِئةٍ لم تدركها نظرةُ إدفارد مونش
عن شكلٍ للهول يفوق الخيال/ ربّما
وتنظر إليك بسبَّابةٍ ممدودةٍ تدلُّك على الطريق
بعد سكن عاصفة الجسد حضنَ أمٍّ في كلّ الأحوال
إن لم يتمّ قطعُها منعاً لها
من شهادة الدخول إلى جنّةٍ تجري من تحتِها
أنهار الدماء…
تنظرُ إليك أن ترى وتنسى الرعبَ الذي يعتريك
أن تنسى الزوجةَ التي تنتظر بكاءَك مما رأيتَ في حضنها
أن تنسى الأطفال الذين ستنسيك ضحكاتُهم ما سوف ترى
أن تنسى الخوف الذي يجتاحُك عليهم
من أن يكونوا مكانَها
أن تنسى الجحيمَ الذي سيثقبُ جدارّ ذاكرتك برماح الكوابيس
وأن تنسى الدّورَ الذي لن يُفوّتَك لأنك رأيت
ما لا يجب أن ترى…
تنظر إليك أن تدّعي قدومك من كونٍ موازٍ
وتصوِّرَها بجمالها الآن من دون رتوشٍ
وليس كما كانت قبل دقائق من حزّ عنقها بكِسْرة مرآتها
تضعُ الكحلَ لكي يراها حبيبُها آيةً
ليس كما كانت قبل دقائق من لسعةِ طلقة القنّاص
توصي الصديق أن يقول لحبيبته أنه كان يحبّها
إن وَقَع بين أيديهم في المظاهرة
كما كانت قبل دقائق من حرقِ أعضائها بالكهرباء
تحملُ شنطة زجاجات الحليب سعيدةً
بإيصالها إلى أطفال المدن المحاصرة بالدبّابات
قبل دقائق من تفجيرها
ترسم علم الثورة على حائطٍ مرتبكٍ
وليس كما كانت قبل دقائق من عُريها
تتخفّى بدعاء السلامة من أمّ أنكرتْ أنّ الدعاء
لا يصيرُ في شغف شجاعة الفتى عباءة إخفاء…
تنظر إليك أن تكون حياديّاً وتصوِّرها
مقسمةً أنها تسامحُكَ على وقاحة النظر
إلى جثةٍ عاريةٍ من عضو خصبِها
لفتىً سوف يتلقّاها أهلُه بعد قليلٍ أيقونةً
على صليب إخصاب المظاهرات
تسامحكَ على شلَلِ إحيائها بدمعةِ عين الكاميرا
وتسامحكَ على عدم معرفتك ماذا يعني تصويرُها…
تنظر إليك أن تكون حيادياً وتصوّرَها
لكي يجدِّد الممثّلون المشاركون بمسرحيّة “التكويع” بعدها
خزيَ تخفّيهِم المضحكِ بعرائِهم
على خشبة مسرح الحياد
لكي يمتِّعَ المخرجون الذين اتّهموها بالرقص فوق الجثث دون جدوى
أعضاءَهم الضامرة بالرقص فوقها
لكي يسقي الشعراء الفاقدون شمّ لون النرجس
بلاستيك نرجسيتهم بادعاءات الألوهة
ولكي يرتاح قلبُك من فيض البشاعة
بإغراقها في مياه جمال السوريين…
تنظر إليك بعين نقص قَدَرها
أن تُكملَ تشكّلاتِ لعنةِ دورها
تنظر إليك بعين اكتمال قمَرِها
أن تبدأ دورك في إنهاء نقاط تراكمها
بجثةٍ على السطر
تبدّلُ الأرقامَ بالأسماء
تنظر إليك بعين تشابك الكمال والنقصان
أن تفتحَ الثقب الأسود الذي ستدخل مقبرتَه الجماعية لها
كي تُخرجَها من رميمِها حيّةً بعظامها
كاملةً في عينِ من أحبّها.
7/ 2/ 2025
*قيصر، الشاهد الإمبراطور، فريد المذهان، الذي وثّق وهرّب خمساً وخمسين ألف صورةٍ لجثث المقتولين في المظاهرات، والمعذبين حتى الموت في سجون نظام بشار الأسد/ شاهدةً على جرائم هذا النظام ضد الإنسانية.
*شاعر سوري