هِرمَجِدون1 - المثنى الشيخ عطية

2025-01-09

إلى سيزيف السوريّ/ رياض الترك

 

ابتهجْ أيها المخذول مرةً تلوَ أخرى
فسوف لن أمنعَك هذه المرّة وأنت أدرى
بمحاولاتكَ سرقةَ مفتاح باب جحيم برمجة العقل
على شهوة القتل
لنزع الأسلاك دون جدوى
ابتهجْ فلسوف تشكركَ الأزهار التي ستُدعس بلا رحمةٍ بعد قليل
ابتهجْ وإن كنتَ لن تستطيعَ أن تسدّ فم بوق النفير
بوردتك الجورية البيضاء
لن تستطيع منعَ أذنيك عن سماع صوتِ خبّ الخيول
قادمةً من جميع الجهات إلى بطاح مجدو
ولن تستطيع منع تكسّر أعناق الأزهار دامعةً في مرج ابن عامر
يوم تدور الدوائر
ابتهجْ وإن كنتَ لن تستطيعَ صرَّ أذنيك عن
سماع صوت صرير السيوف
على الرقاب..

المؤمنون الملتاثون بفيروس اليقين أنّهم
ينقذون رقبة العالم بحدّ السيف
الذين لم يعرفوا مَن نثَرَ بذار الخوف
في أرض أدمغتهم أمام مرآة آبائهم
الذين لم يعرفوا من أي نبعٍ ملوّث بفيروس الكلَبِ يسيل لعابُهم
لينهشوا لحم مَنْ أمامَهم
وهم نازلون من جبلٍ تراءى لهم فيه من خاطبهم أنّهم:
«المختارون لإنقاذ العالم»
دون أن يضيف ساخراً بعد احتلال الغربان ساحة المعركة:
«مِنْ أنفسِكم»
الذين حملوا حطب نار الإبادة الجماعية للمدن على ظهورهم
كي يُسرّعوا قدوم مسيحِهم
الذين أتوا من كلّ صوبٍ عراةً إلا من صواريخهم
معمَّمين بالسَّواد والبَياض والحَمار والخَضار
ومغلقين آذانهم عن سماع رفيف أجنحة تلك الحمامة الصارخ فيهم:
أيها الحمقى
أنتم تحملون ذاتِ الرايات المُدمّاة بموشور الطيف
الذين حلّوا في ساحة هِرْمَجِدون
مواجهين بعضَهم للانقضاض بأنيابِهم
على جسد الأرض…

ابتهج يا صديقي الحائر
برحلتك التي شهدتَ فيها كيف ينحلّ الظلام
وإن عاد ليخدَعك بستائرِ النور
فلديك البرزخُ الذي تعرفُ فيه كيف تزيل الظلام بالنور
لديك الطريقُ الذي ترصفُه خطواتُك بالعشب
لديكَ النايُ الذي تقودُ بألحانه الجرذانَ إلى أمعاء الأسماك
ابتهج يا صديقي السّوريُّ
برحلتك التي لن أستطيع منعها على شاشات التلفزة
حيث يتحضّر الناس لتناول العشاء من دون سكاكين
إلى أحشاء السجون التي شهدتْ
ما لا يتخيّل العقلُ بأجساد وأرواح السوريين
قرباناً لالتياث بوصلة تحديد جهة طريق القدس
ابتهج يا صديقي المعذَّب
على سَيْرك في أنفاق «مينوتور»ِ صيدنايا بخيطان المحبة
على فتحكِ أبوابَ السجّان المَسخ
على نثركَ الجثثَ المحروقةَ المشنوقةَ المدعوسةَ بالمكابس المذوّبةَ بالأسيد
أمام العيونِ التي أطفأها مخرز الخوف
على نشركَ أسماءَ من لم يَعدْ لديهم أسماء
على شاشات تلفاز الخواء من الروح

ابتهج
وأنت تبحث في زوايا الـ»دارك ويب»
خلَلَ أبشع ابتكارات إخراج الصرخات من الجسد الحيّ
خلَلَ سوقِ الأعضاء المسروقة من الأجساد التي لا تزال حيّةً تسعى
إلى قوقعةِ أذن إلهٍ أو لمسةِ يدِ أمٍّ تُسكِّن آلام العذاب
خلَلَ طقوس المسوخ في اصطياد الأرواح بالقنّاصات فور خروجها
داخل الغرف المغلقة على رجس الانتشاء
عن مفاتيح غرف الظلام التي ربّما قادتْك لهزيمة الظلام

ابتهج
وأنت تسير بحصانك وسط مستنقعات أوهام معتقدات اليقين
وأنتَ تشهدُ تكبيل قدميه بحبال سيّد الظلام
الذي وحّد رماله الثلاثة المتحرّكة لابتلاعه
فلقدْ منحكَ نظرة امتنان الصّداقة الحزينة الآسرة لكي تكمل المسير

ابتهج
وأنت تمتطي تِنّين «أتْريّو» اللطيف لإيجاد مفتاح الاسم
إيجادِ طرف معادلة النور
لتعطيل برمجة غَلِبِة الظلام
إيجادِ لمعةِ حجر الفلاسفة في عيون الصبيّةِ
التي ستضيء العالم في «القصة التي لا تنتهي»2
وابتهج يا صديقي السائر على دحرجةِ صخرتك
من على ذروة جبل لا جدوى الوصول إلى نتيجتكَ
ابتهج برحلة طريق تعدّدك من واحدك
إلى قلب بُحيرة ظلمة الإنسان لسدّ منافذ جيوش الظلام
ابتهج ولو على شقّك لطريقٍ صغيرٍ
لا يخترقُه الرصاص…
ابتهج يا صديقي المتوجِّسُ
وأنت تجلسُ في مقعد مُشعل الثورات
على الرصيف3 مُطلاً
من كوّة أبديتك البيضاء بسعادةٍ
على رقصة الفتيان والصبايا في الساحات التي أشعلها الغناء

ابتهج
فلعلّ تلك الرقصة السعيدة المعلّقة في الهواء
تَكُون القشّةَ التي ستقصم
ظهر هِرمَجِدون.

31 كانون الأول/ديسمبر 2024

1: هرمجدون: المعركة النهائية الفاصلة التي تخوضها الديانات بين بعضها بأبطالها المسيح والمسيح الدجال والمهدي لكل دين ومذهب، باعتقاد كل منها أنه الخير ضد الشر، في وادي مجدو في فلسطين قرب القدس.
2: رواية الألماني ميخائيل إنده التي تصوّر كتل الظلام التي تزحف لابتلاع الخيال الإنساني، ويقوم بطلها الفتى أتْريّو برحلة مذهلة لمنح الصبية الاسم الذي يزيل الظلام. وتمّ إنتاجها فيلماً تحت عنوان «The never ending story».
3: في سؤال لرياض الترك عن ماذا يريد من انتصار الثورة أجاب إنه يريد فقط الجلوس على الرصيف ليرى الشباب وهم يحتفلون بانتصار ثورتهم في ساحة الحرية.

*شاعر سوري








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي