تغريداتُ ما وراءَ كهفِ (تويتر) المُعتِم

2024-10-30


مازن أكثم سليمان*

 
معكِ..
لا يَستيقِظُ الفجْرُ؛
إنما يُخلَقُ منَ العدَمِ.

الناسُ يُغادِرونَ أَسِرتَهُم
كُلما افتضتْ غانياتُ الصباحِ
أغشيَةَ النومِ في مَسامِهِم..
وأنتِ الوحيدةُ
التي يَنفصِلُ وشاحُ الضوءِ
عن نسيجهِ النهاري من أجلِها
مُندَساً تحتَ لحافِكِ الزهري
شَريكاً خَفِياً لهالَةِ العَتَمَةِ الحارةِ حولَكِ:
(هوَ المَدفنُ الملَكي حينَما يُخمّرُ الكُشوفَ في عَرينِ زَهرَةٍ فَعُولٍ ).

قد يبدو هذا الغزَلُ
كمَندوبِ مَبيعاتٍ
لأطباقِ قش جَداتٍ فانياتٍ
بينَ سَكاكِرِ الحَكايا
وطَرْحاتِ العَرائِسِ المُتطايِرَةِ.

قد يظُن كثيرونَ أنهُ
لا يُواكِبُ تيهَ مدينةٍ رقميةٍ
تتناثَرُ فيها النهودُ والأردافُ..
لكن السر يكمُنُ في هذا يا حبيبتي؛
أنْ أكونَ عَطِشاً وسْطَ فيْضِ الفيْضِ
وأنْ يتسللَ دمي إلى شَرايينكِ
بدَلاً من أوردَةِ الشبكةِ العنكبوتيةِ
كفهدٍ مُحترِفٍ لحظةَ الانقضاضِ على فريستِهِ
مُستدرِجاً رُوحَكِ بكامِلِ إرادتِها
جسَداً بلحمٍ ومطَرٍ إلى قلبي.

أعرِفُ أن ما أقولُهُ غريبٌ
كدَأبِ المَجانينَ في مَشفاهُم
وقتَ يَسخرُونَ من أطبائِهِم (العُقلاءِ)
أو، رُبما كتَائِهٍ في أعماقِ صَحراءَ
يُعلمُ كائناً فضائياً في المريخِ
فن بَلْسَمَةِ الكَستناءِ بالنبيذِ
لكنْ تمعنِي قليلاً في سَوائِلِ النارِ
المَعجونَةِ منها وفيها
لا اللهبُ يُبخرُها كحَلْمتيْنِ حائرتيْنِ
ولا هيَ تُطفِئُها كشَهوَةٍ تُقصَى
هذهِ حِكمةُ الإغواءِ
حيثُما تَختطِفُها (تغريداتُ) المُغرَمينَ العِظَامِ
إلى ما وراءَ كَهفِ (تويتر) المُعتِم.

حقاً أيتُها الأُنثى، حقاً:
القادِمُ أخطَرُ مما يخطُرُ
في تبادُلِ المُلاسَنَةِ
بينَ الوَسائِدِ الطرِيةِ والذكاءِ الاصطناعي..
أقصِدُ أنني، ما زلتُ هُنا كحارِسِ الغابَةِ المَنسيةِ
ومن داخِلِ عِرزالِ الدلالاتِ أزعُمُ:
أن أقصَى طُموحاتِ الشفاهِ التي نَحمِلُها
ألا تتحولَ في وُجوهِنا إلى حَقائِبَ مُقفلَةٍ
لا في المَطاراتِ
ولا على ظُهورِ السفُنِ
الأفواهُ يا عزيزي الكائنُ المُستقبَلي
تَنفتِحُ وتُغلَقُ
تماماً كسُهولَةِ انفتاحِ مياِهِ البَحرِ
كُلما شقتْها حرَكَةُ الدلافينِ
صُعوداً وهُبوطاً.

رُبما أبدو كمَنْ يسقُطُ في فخ الثنائياتِ
أو في ألاعيبِ التضادِ معَ الراهِنِ..
لنْ أُدافِعَ عن خُرافاتٍ تتدلى
كثِمَارِ الرمانٍ على أغصَانِ أُمها
حسْبي؛
أنْ أترُكَ الحُضورَ والغِيابَ يَمتزِجانِ معاً،
ويَلتبِسانِ
كإفرازاتِ احتكاكيْن مارقيْن
أثناءَ ابتلاعِ الخَلايا لبعضِها بعضَاً.

ولنْ أنفِيَ أنني،
أحتفِي بالحقدِ كثيراً في هذي الفَلاةِ
غيرَ أن زاويةَ البَصِيرَةِ القَلِقَةِ
تُزعزِعُ زاويةَ المَشْهَدِ الراكِدِ
ثمةَ ما هوَ أعمَقُ منَ المُونولوغِ داخلِي
كأن جِنياً في العِظَامِ يُرددُ بأوتارِ مُهجَتِي:
(لا ثقةَ لي بأهدابٍ زائِفَةٍ للاستعاراتِ)
ـ هل أَعنِي شَتْمَ عملياتِ التجميلِ مثلاً؟
حيثُ أنحازُ لإطلاقِ المُتنبي
«حُسْناً غيرَ مَجلوبٍ بِتَطْرِيَةٍ»
أو حيثُ يُدشنُ مُبدعونَ
أبَدَيةَ ثَمَلٍ يُجَددُ مُوضَةَ بودلير العتيقَةَ؟
ـ لا.. ونَعَمْ أيتُها النعَمُ:
(المَسألةُ هيَ أن عاشقيْنِ
تمردا على المُخرِجِ
في فِيلْمٍ روائي مُلتزمٍ بالمَقاييسِ
حالَما دغدغَتْ أَنامِلُ الكرَزِ
سُرةَ حديقَةٍ ظلتْ طويلاً
تبتلِعُ حُبوبَ الاكتئابِ
من دونِ أنْ تنتبِهَ من قبْلُ
أنها تمتلِكُ جهازَ (ريمونت كونترول)
مُختلِفاً عنِ المُعتادِ
وأنها عندما ضغطَتْ زِر الرحيقِ المُهمَلِ
لم تتبدلِ المَحطةُ
ولم يُكتَمِ الحُلْمُ قط؛
إنما رَشتِ الريحُ
ـ وهيَ تُداعِبُ سَتائِرَ النافذَةِ بالتواءٍ ـ
بَخاخاً مُوقِظاً للأجنحَةِ المُرهَقَةِ
كأنهُ فياغرا لاسلكيةٍ غامِضَةٍ
من إلهٍ عَرْشُهُ قِمْعُ مُثلجاتٍ من فَواكِهَ).

أما بَعْدُ..
بالتأكيدِ لنْ يكونَ للأرائِكِ الكَسولَةِ
ولا لأكَلَةِ لُحُومِ عَقاربِ الساعاتِ
أو لمُحركِي الآلاتِ بانتظامِ دِعايَةٍ تلفزيونيةٍ
هاربَةٍ من تسعينياتِ القرنِ العشرين
مَكَاناً لهُم معَنا
لا في عاصفَةِ هذا الانشطارِ اللعينِ
ولا حتى تلفيقاً في سِفْرِ مُؤرخينَ
عاصَرُوا سَرَيَانَ النسيمِ السرمدي فينا
ولم يُقارِنوا قط
بينَ تبختُرِ حَريقٍ في المَآقي
وتبخرِ مِقصَلَةٍ في الرئاتِ
نشوةً نشوةً قطرْنا الثوانِي دُهوراً
لهذا علقَ مُذِيعُ الغَيْبِ في بَرنامجِهِ الإذاعي صَباحاً بالقَولِ:
ـ معكِ يا حبيبتي
لا
يَستيقِظُ
الفجْرُ؛
إنما يُخلَقُ منَ العدَم.

بعدَها بسَاعاتٍ قليلَةٍ
اندلَعَتِ الثورةُ..

 

*شاعر وناقد سوري








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي