في مديح الألم

2024-10-25

المثنى الشيخ عطية *

 

نتمنى ألا نشعُر بالألم
حين نقلعُ ضرساً
حين نكسبُ درناً غير حميدٍ
حين نفقدُ حبيبةً حبيباً صديقاً
وحين نخاف من نمو جلودنا كلما احترقتْ بعد القيامة
نتمنى ألا نشعر بالألم
حين يقصفُنا أو يقصفُ أطفالاً أمامنا
صاروخٌ يضعُنا تحت أو
أمام الأنقاض…
نتمنى ألا نشعر بالألم
حين نحب معتقدين أننا نكره
حين نكرهُ معتقدين أننا نحب
نتمنى ألا نشعر بالألم
هكذا فقط
دون تفسيرٍ لمعاني الألم…
يا أيها الألم الدخيل
يا منْ لا نعرف من أوجدك ليُكمل قصة العقاب
وفقد خيط الحبكة في تعقد البنية خلال السرد
يا منْ وظفوك لوضعنا على كرسي الاعتراف النازي
كي نخوض أقسى تجارب تعذيبنا بانسلاخ عظامنا عن لحمنا
أقسى مواجهات ضعْفنا لتفاهة القوة الجبارة بضعْفنا
أقسى خيارات تفكيرنا وهذياننا في مآلات القبْل والبعد
على صراط الموت والحياة
يا منْ تضعُنا في عين إعصار منْ قرر سفك دمائنا
أطفالاً لا يعرفون معنى خوف الوقوف في وجه الإعصار
شيوخاً لا يقيسون أطوال الوجود بأمتار الحكمة
نساءً لا يُغلقن بوابات أرحامهن أمام عتمة ما يلتهم
أجنتهن الخارجين إلى النور
رجالاً لا يتورعون في الرمق الأخير من المعركة
عن رمْي مُسيرةٍ مدججةٍ بالعيون والدبابات
بخشبةٍ
تُلحم مبتدانا بمنتهانا جسراً
يُعيدنا سُعداء إلى أحضان أمنا الشجرة…
يا أيها الألم الأصيل
في جنان تداخُلنا بحبيباتنا
في ترك علامات أظافر الحب على جلودنا
صاهلةً بحمْحمات شغفنا
إلى قضم ثمار أزهارنا التي تتفتح
عابقةً برائحتك المثيرة لجنوننا
في استنهاض غابات دمائنا
بزئير الفهود عواء الذئاب بروق السحاب حلول الرغاب
لإنباض إحساسنا…
أيها الألم الذي يكْسرُ طرف بُحيرة الموت
ليجري نهرُ إحساسنا بالحياة
أيها الألم الذي يرتدي عباءة الشعر
ويقف ساخراً من عجْز سحْر مخترعه
عن قدرة إخفائه وإظهاره
أنت يا من تمحو سعادتنا فور محوك
يا منْ اخترعْنا لمحوك من أجسادنا جنة دلْمون
بمعجزةٍ بين ماءين
ولم نعرفْ كيف نُبقي الأسد قاضماً للعشب بجانب الغزال
الذئب راوياً للحكايات بجانب الحمل
الفراشة القرينة لأملنا بعيداً عن النار
يا منْ تشابكت بنا توأماً لنا
في الحرب إذ تكون صرخات حزننا
في الحب إذ تكون صرخات فرحنا
في الموت والحياة إذ تكون حزننا وفرحنا
يا من تراكبت لتعاكس في مرايانا
العدم والوجود
الحب والكراهية
الحزن والسعادة
الكل في الجزء والجزء في الكل
إلى ما لا نهاية هذي القصيدة
أينما وأنى كنا في الوقت ذاته…
يا أيها الألم الدخيل الأصيل…


*شاعر سوري








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي