
في 15 أيلول 2023، عشية رأس السنة، لم نكن نعرف ما ينتظرنا. كنا عاصفين، ممزقين ومنقسمين، كثيرون منا كرسوا معظم وقتهم وجهدهم وحياتهم لما رأوه ككفاح في سبيل البيت والديمقراطية والوطن. لكننا لم نعرف أننا سنشتاق لكل هذا لاحقاً. لم نتوقع أي بوابات جحيم ستنفتح علينا. سارت حياتنا بمجال المعقول. العمل، الأعياد، الإجازات، الأبناء، المهام، الرحلات إلى الخارج، التخطيط للمستقبل. مواطنو دولة مستقلة، مزدهرة، قوية وآمنة نسبياً، إلى أن جاء السبت إياه وسقطت السنة علينا جميعاً.
كانت السنة الأصعب في تاريخنا. كان هنا أمل في حرب التحرير. انتشرت النشوة في حرب الأيام الستة. وفي يوم الغفران جرت صدمة حلت محلها أجراس السلام. بعد ذلك، كانت انتفاضتان وحروب قصيرة وأساساً “جولات”. لكن الحياة سارت في مسارها. كان واضحاً أننا هنا، لن يتمكن أحد من تغيير هذا.
وعندها جاء 7 أكتوبر انهار عالمنا القديم. لا أمل ولا نشوة بعد ذلك؛ حل محلهما الرعب. من مكانة قوة عظمى عالمية وإقليمية تلعب في أعلى المستويات بين الأخيار في كل المجالات، تحولنا بين سبت كابوسي وضحاه إلى دولة فاشلة ونازفة، متوقفة، تلعق جراحها وتنتظر ضربة الرحمة من أعدائها الذين يتجمعون حولها، متعطشين لدمها.
اكتشفنا أن الجيش الإسرائيلي ليس كلي القدرة. أحياناً لا يكون. اكتشفنا أن استخباراتنا الفاخرة قد تنهار إلى فشل رهيب آخر، بعد خمسين سنة بالضبط من سلفه. اكتشفنا أن العائق في غزة مخترق تماماً. اكتشفنا أن حماس ليست عصابة حفاة، بل منظمة مصممة، مركزة، إجرامية، متزمتة ومتعطشة للدماء. اكتشفنا مدى هشاشتنا. كل ما أمنا به انهار أمام ناظرينا.
وحتى فرضية العمل الأساس، الفكرة التي نعتمد عليها، تشققت وتفككت تحتنا: مضان الوجود الإسرائيلي لأجيال مقبلة. في صباح سبت 7 أكتوبر، استيقظنا في دولة واثقة ولا يمكن هزيمتها. في ليل ذاك اليوم، ذهبنا للنوم (لكننا لم نغف) في دولة مضروبة، هائمة، مهزومة. لاح إلى جانب اسم “إسرائيل” علامة تعجب حتى ذاك اليوم. فجأة، تحولت إلى علامة استفهام. مفاهيم مثل “خطة إبادة” إيران طلت في قاموسنا. أصبحت القوة العظمى الإسرائيلية مظلومة، طفلاً يتلقى الصفعات في الحارة. حياته متعلقة بشعرة.
اليوم، مع نهاية سنة الكابوس هذه، نقرر أننا انتصرنا، انقلب الدولاب، وطوق النار يحترق. هذا المقال كتب قبل إطلاق الجولة الأولى من الصواريخ الباليستية من إيران إلى إسرائيل. سنتناولها بشكل منفصل. أما الواقع، فقد استدعى النزال الحقيقي مع رأس الأفعى الحقيقية: إيران. الظروف في صالحنا. كلب الهجوم، حزب الله، المعد لحماية إيران هذه الأيام يتخبط في دمه. يجب تلقين إيران درساً، الآن.
لقد هزم الجيش الإسرائيلي حماس وأثبت أنها ليست مجرد قوات. فبعد نحو سنة من بدء الحرب، جاء دور نصر الله، وقد أرسل آنف الذكر إلى بارئه، إلى جانب قيادة حزب الله العليا كلهم، ومعظم المستوى القيادي الميداني، الكبار منهم والصغار. المذهل أكثر من كل هذا، أن كل شيء بدأ بشكل غير مخطط، وبتفعيل كمين أجهزة البيجر نتيجة لاكتشاف رجال حزب الله له على ما يبدو. في الغداة، تم تفعيل كمين أجهزة الاتصال أيضاً، للأسباب ذاتها.
رئيس الأركان هرتسي هليفي وقائد المنطقة الشمالية اوري غوردن، عرضا خطة المراحل أو “السلم” التي بموجبها نصعد درجة تلو درجة. بعد بضعة أيام، أرسل نصر الله إلى الأعلى. وتباعاً، صفي كل مسؤولي حزب الله. سلاح الجو أغار على مخزونات الصواريخ الدقيقة الثقيلة وصواريخ شاطئ بحر. ما حصل في هذين الأسبوعين هو أحد الانتصارات العسكرية المذهلة في التاريخ الحديث.
لا، هذا ليس “نصراً مطلقاً”؛ فالنصر المطلق هو نصر الحلفاء على النازيين في الحرب العالمية الثانية. والنصر المطلق هو نصر إسرائيل في حرب الأيام الستة. نحن نقاتل الإرهاب. والإرهاب لا تنتصر عليه نصراً مطلقاً. هذا صراع طويل، مع صعود وهبوط، إنجازات وإخفاقات. وهو متواصل منذ 120 سنة. ولشدة الأسف، ليس مؤكدا أنه سينتهي ذات يوم.
بن كسبيت
معاريف 2/10/2024