
في مقال نشرته صحيفة "عين هشبعيت" الإسرائيلية، شرح الكاتب الإسرائيلي، شوكي تاوسيغ، كيف حوّل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ذكرى الهولوكوست من رمز مقدّس في الوعي اليهودي إلى أداة دعاية سياسية بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وكيف أدى هذا الاستخدام إلى نتائج عكسية عالمية، شجعت موجات إنكار المحرقة ومعاداة السامية في "اليمين المتطرف" الغربي.
ويقول الكاتب إن نتنياهو، المتهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومنذ صباح ذلك اليوم الدامي، بدأ بتشييد "طريق الهروب السياسي" من أكبر إخفاق أمني في تاريخ إسرائيل.
ومن بين الأدوات التي لجأ إليها بسرعة، كانت تشبيه هجوم طوفان الأقصى والهولوكوست، حيث اعتبر ما جرى في "الطوفان" تكرارا لـ"جرائم النازيين ضد اليهود".
ويرى الكاتب أن هذا التشبيه مثّل انتهاكا لمقدسات إسرائيلية، فـ"المحرقة" في الوعي اليهودي تُعدّ حدثا فريدا وغير قابل للمقارنة أو التكرار، حدثا "مفصولا عن التاريخ" لا يجوز تشبيهه بأي حدث آخر.
غير أن نتنياهو، عبر آلته الدعائية المعروفة في إسرائيل باسم "آلة السم"، كسر هذا المحظور وساوى بين جرائم ألمانيا النازية وعمليات المقاومة الفلسطينية، في خطوة وُصفت بأنها "ذبح للبقرة المقدسة" من أجل مصلحة شخصية وسياسية.
الهروب وتبرير حرب غزة
ويُشير الكاتب إلى أن الهدف من خطاب نتنياهو كان واضحا، وهو نزع المسؤولية عن نفسه. فحين يُقدَّم هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بوصفه "هولوكوست جديدة"، يغدو فوق قدرة أي زعيم على منعه من شن حرب على غزة بالشكل الذي تم.
وإلى جانب التهرب من المسؤولية، خدم هذا التشبيه أجندة إذكاء روح الانتقام وتبرير استمرار الحرب. فقد أدت المقارنة بين حماس والنازيين إلى نزع الإنسانية عن الفلسطينيين، وقمع مشاعر التعاطف، وتحويل النقاش العام إلى ثنائية "يهودي مقابل نازي"، مما جعل استمرار العدوان على غزة يبدو واجبا أخلاقيا لا جريمة إنسانية.
وبهذا، وفق الكاتب، ساعدت هذه المقارنة نتنياهو على إطالة أمد الحرب للحفاظ على تحالفه الحكومي المتطرف، ولو على حساب حياة الجنود والأسرى الذين قتلوا في الأسر أو بنيران إسرائيلية.
عودة النازية الأميركية
ويرى تاوسيغ أن نتائج هذا الخطاب لم تتوقف عند حدود إسرائيل، فـ"كسر المحظور" الذي قام به نتنياهو أطلق موجة جديدة من الشرعية لإنكار الهولوكوست في الغرب، وخصوصا داخل التيار اليميني الشعبوي الذي يهيمن على السياسة في الولايات المتحدة.
ويستدل الكاتب على ذلك بظهور الإعلامي اليميني الأميركي تاكر كارلسون، الذي استضاف مؤخرا النازي الجديد والمنكِر للمحرقة نيك فوينتس، في حوار وصفه المقال بأنه "لحظة بروز النازية الأميركية الجديدة".
كارلسون، كما يوضح الكاتب، يمثل الجيل الجديد من اليمين الأميركي الترامبي، الذي لم يعد يرى في إسرائيل حليفا إستراتيجيا، بل عبئا سياسيا. وفي هذا المناخ، تحوّلت تصريحات نتنياهو عن "هولوكوست جديدة" إلى سلاح بيد هؤلاء "المتطرفين" لتبرير معاداتهم لليهود أنفسهم.
فاليمين الأميركي، حسب الكاتب، بدأ يروّج لفكرة أن إسرائيل هي التي تقف وراء بعض عمليات الاغتيال أو الفوضى الداخلية في الولايات المتحدة، مستشهدا بمقتل الناشط اليميني تشارلي كيرك، الذي حوّله اليمين الإسرائيلي إلى "شهيد" في فعل وصفه الكاتب بـ"اللاسامية الذاتية".
مؤسسات فكرية تشرعن إنكار المحرقة
كذلك يربط الكاتب بين هذا الانهيار الأخلاقي في الخطاب الإسرائيلي وبين مؤسسات فكرية أميركية كـ"مؤسسة التراث"، التي أصبحت تدعم بشكل غير مباشر نقاشات علنية حول إنكار المحرقة، فهذا التطور لم يكن ممكنا لولا أن نتنياهو وأنصاره في اليمين الديني والقومي حطموا في إسرائيل ذاتها فكرة "خصوصية الهولوكوست" وحوّلوها إلى أداة للمقارنة والتسويق السياسي.