
نشرت صحيفة “الغارديان” افتتاحية حول مقتل زعيم حزب الله في لبنان، حسن نصر الله، وقالت إنه يجر الشرق الأوسط نحو الكارثة. ففي الوقت الذي يواصل فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاستخفاف بإرادة حليفة إسرائيل المهمة، الولايات المتحدة، ستقود وفاة زعيم حزب الله إلى تعميق أزمة الشرق الأوسط.
وأشارت إلى حالة الثقة لدى الولايات المتحدة وفرنسا عندما اقترحتا يوم الخميس خطة لوقف إطلاق النار في لبنان، وأن نتنياهو داعم لها. وبعد يوم واحد، حيث كان في نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، قام بالمصادقة على خطة قتل حسن نصر الله في بيروت. وتقول إنه في الوقت الذي لن يحزن الكثيرون في لبنان وسوريا وإسرائيل على غياب الزعيم اللبناني، لكنهم يشعرون بالرعب، وقد قتل أكثر من 1,000 لبناني منذ بداية الحرب في الأسبوع الماضي، فيما نزح خمس السكان من المناطق الجنوبية، حيث تنام العائلات في الشوارع.
ومع تهديد الغزو البري واستمرار الغارات الجوية، يقول نتنياهو إن العملية لم تنته بعد.
واعتقد حزب الله أن تصعيدا تتم السيطرة عليه كان ممكنا، عندما قرر الحزب الدخول للمواجهة دعما لحماس في غزة. لكن إسرائيل أثبتت خطأ حسابات حزب الله، حيث قامت بوثبات وتجاوزت سلم التصعيد للحرب والتي احتوت على خرق واضح للقانون الدولي.
ومن خلال القيام بهذا، فلم توجه الإهانة إلى حزب الله فقط بل وراعيته إيران والولايات المتحدة والرئيس جو بايدن شخصيا.
فقد أحيط المسؤولون الأمريكيون والفرنسيون من خلال قنوات خاصة علما أن نتنياهو وافق على خطة وقف إطلاق النار. فعلى مدى الأشهر الماضية، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي وبشكل مستمر بإخبار واشنطن بما تريده أن تسمعه وفعل ما يريد. وبينما كانت إسرائيل تتظاهر ببعض الاهتمام بالمبادرات الدبلوماسية الأمريكية، كانت تخطط لشن هجوم شامل على حزب الله، وهو ما صب الزيت على النار.
وقد تعامل نتنياهو مرارا مع أقوى حلفاء بلاده وأكثرهم أهمية بازدراء، مستخدما الأسلحة التي زودته بها إسرائيل. وقد سقط عشرات الآلاف من القتلى في غزة وانزلق الشرق الأوسط نحو الهاوية قبل أسابيع من الانتخابات الأمريكية.
ويترنح حزب الله الآن من الضربة، حيث قتلت قيادات عسكرية وسياسية بارزة فيه، ومن نجا فهم يعانون من شك متبادل من بعضهم البعض. ويواجه الحزب ضغوطا داخل لبنان، من أولئك الغاضبين من حالة البلاد والخائفين من أن يقوده حزب الله إلى كارثة واضحة.
ولا تريد إيران أن يتم استدراجها إلى حرب بشروط إسرائيل، فقد اعتمدت دائما على وكلائها. ولكن كان من المفترض أن يكون حزب الله بمثابة الحماية ضد الهجوم الإسرائيلي المباشر. والآن تريد إعادة إرساء الردع وطمأنة وكلائها دون أن يؤدي ذلك إلى عواقب لا تحمد.
وتريد إسرائيل أن يعود سكان الشمال، وقد نزح المزيد من المواطنين اللبنانيين وشنت إسرائيل أربعة أضعاف عدد الهجمات على حزب الله مقارنة بالعكس في الأشهر الأخيرة. لكن حزب الله لا يزال لديه عشرات الآلاف من المقاتلين وترسانة كبيرة. وعندما شنت إيران هجومها المباشر الأول على إسرائيل هذا الربيع، ساعدت الدول العربية إسرائيل في إبعاد الطائرات بدون طيار والصواريخ. لا يمكن أن تتوقع ذلك مرة أخرى. وقد ترى طهران في تسريع برنامجها النووي مفتاحا للأمن في المستقبل، على الرغم من أن هذا من شأنه في حد ذاته أن يزيد من خطر وقوع هجوم إسرائيلي كبير.
وقالت “الغارديان” إن فشل بايدن الذي احتضن نتنياهو أصبح أكثر وضوحا من أي وقت مضى. ويتعين على الرئيس أن يخبره بأن الولايات المتحدة لن تستمر في إمداد إسرائيل بالأسلحة لكي تقوم بتجاهلها بتهور. وكما أصر زعماء العالم، فإن وقف إطلاق النار في لبنان هو الأولوية الفورية. ولكن وقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى في غزة أيضا – وما يليه من إنشاء دولة فلسطينية – هو وحده القادر على جلب السلام إلى المنطقة.
ورأت الصحيفة في تقرير أعده بيتر بيومنت أن آثار الضربة الإسرائيلية واغتيال نصر الله لن تعرف إلا بعد أشهر. وذكر بأن الإعلام الإسرائيلي احتفل في 1992 باغتيال زعيم الحزب في حينه عباس موسوي، والذي ضرب موكبه بمروحيات إسرائيلية. وعندها تكهن المحللون الإسرائيليون أن مقتل موسوي كان نذيرا بنهاية حزب الله الذي أنشئ عام 1982، لكن ما حدث كان عكس ذلك تماما، فقد خلف الموسوي تلميذه حسن نصر الله الذي كان يبلغ من العمر 31 عاما، والذي استمر في قيادة حزب الله وبنائه لمدة ثلاثة عقود من الزمان، حتى اغتياله على يد إسرائيل يوم الجمعة.
وقال إن مقتل نصر الله في مقر تحت الأرض طرح سؤالين: هل تؤدي سياسة الاغتيالات الإسرائيلية إلى حل ناجع وماذا يعني اغتيال القيادة العليا للحزب نفسه.
وقال إن مسألة الاغتيالات تظل مسألة خلافية حتى داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية والتي ناقشت الموضوع ومنذ وقت طويل، بمن فيهم بعض الوزراء في الحكومة الحالية الذين عارضوا اغتيال نصر الله. فقد اغتالت إسرائيل قيادات في حماس، بمن فيهم الزعيم الروحي الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي عام 2004، ولم يترك أي من الاغتيالين أي أثر طويل الأمد على الحركة.
والحقيقة أن معرفة تأثير اغتيال نصر الله على مسار الحزب ستحتاج عدة أشهر لمعرفة ما إذا كان هناك أي تأثير كبير قد تخلفه حملة الاغتيالات على الحزب، وخاصة بسبب الجهود التي بذلها نصر الله على مدى عقود من الزمن لدمج الحزب في المجتمع الشيعي اللبناني وكداعم اجتماعي فضلا عن كونه قوة مسلحة. وفي الوقت الذي يرى فيه الخبراء أن حزب الله تضرر بشكل كبير من الأحداث الأخيرة، فإن كثيرين منهم غير متأكدين مما إذا كانت هذه ضربة قاتلة أم أن الفائدة التي تعود على إسرائيل قد يكون مبالغا فيها، سواء على الأرض أو من حيث التداعيات الدبلوماسية.
وقد قامت سنام فاكيل، رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز تشاتام هاوس للأبحاث، بتفكيك بعض هذه التناقضات في منشور على منصة إكس قالت فيه: “لقد تم إضعاف حزب الله بشكل كبير” و”يعرف الحزب أن أي تصعيد سيقود إلى نزاع لن ينتصر فيه، ولكن إن لم يرد فستضعف معنوياته وسيفقد المزيد من شرعيته”. وأضافت: “لكن ما يجب الانتباه إليه هو أن حزب الله وحماس، رغم ضعفهما، ليسا خارج اللعبة بالتأكيد. ولا شك أن استمرار القتال من شأنه أن يحشد جيلا آخر من المقاتلين إن لم يزرع فيهم التطرف”.
ويرى خبراء أن حزب الله أكثر قدرة على الصمود مما قد تشير إليه خسائره الأخيرة. فقد كتب نيكولاس بلانفورد، وهو مراقب قديم لحزب الله بمقال نشره مركز المجلس الأطلنطي قائلا: “حزب الله مؤسسة قوية تتمتع بسلسلة قيادية قوية من شأنها أن تضمن الاستمرارية على مستوى القيادة”. وقال إن هناك عاملا آخر غير معروف وهو أن مقتل مزيد من القيادات المهمة إلى جانب القيادات البارزة في حزب الله بمن فيهم نصر الله فسيعقد، وربما أدى إلى تأخير عملية إعادة إرساء القيادة والسيطرة على المنظمة بأكملها، مما قد يجعل الحزب عرضة للتحركات الإسرائيلية التالية.