قالت الأمم المتحدة إن الحملة التي أطلقتها حكومة طالبان لمحاربة المخدرات -عقب توليها السلطة في أفغانستان عام 2021- أدت إلى انخفاض زراعة خشخاش الأفيون بنسبة 95%، وهذه النتيجة تعد أكثر من أي حملة أخرى لمكافحة المخدرات في العصر الحديث.
جاء ذلك في تقرير نشرته مجموعة الأزمات الدولية اليوم الخميس بعنوان "مشكلة حقول الأفيون في أفغانستان: حرب طالبان على المخدرات"، ويسلط الضوء على جهود الحركة من أجل مكافحة المخدرات واعتقال متعاطيها وإبادة المحاصيل وإغلاق الأسواق.
وقال التقرير إن حملة طالبان بدأت بطيئة، وسرعان ما أصبحت أكثر صرامة، إذ استهدفت قوات طالبان الأهداف السهلة مثل جمع المتعاطين في السجون ومراكز إعادة التأهيل، مع تحذير المزارعين من زراعة الخشخاش الذي اعتمدوا عليه قرونا، وعندما فشلت التحذيرات نشرت طالبان المقاتلين لمواجهة المزارعين وتدمير محاصيلهم.
مفارقات عديدة
ويشير تقرير مجموعة الأزمات إلى أن الحظر الذي فرضته طالبان يؤثر على سبل عيش ما يقرب من 7 ملايين شخص، لا سيما العمال الفقراء والنساء الريفيات، ومن غير المرجح أن يجد هؤلاء عملا آخر في اقتصاد مثقل بالعقوبات الدولية.
وأضافت المجموعة أن المزارعين خسروا 1.3 مليار دولار سنويا، أو بما يعادل 8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، وتتضاعف الصدمة الاقتصادية أكثر نتيجة القدرات المحدودة لطالبان في توفير البدائل للمزارعين والعمال الريفيين، ورغم تحول العديد منهم إلى زراعة القمح أو القطن فإنهم ما زالوا يعانون من أجل تلبية احتياجاتهم.
على الجهة الأخرى، حقق كبار التجار وأصحاب الأراضي الكبيرة ثروات ضخمة في ظل هذه الأجواء، وذلك بعد بيع ما لديهم من مخزونات، مستغلين فوائد ارتفاع الأسعار بعد الحظر الذي فرضته طالبان.
ويرى التقرير أن طالبان أمام تحدٍّ كبير من أجل تطوير القطاع الزراعي في أفغانستان، بما يحتاج إليه من مشاريع الري ومرافق التخزين والطرق، وليست لدى طالبان الميزانية الكافية لتطوير هذه البنية التحتية.
تحديات الحظر
وفي ما يتعلق بمدى قدرة طالبان على المضي قدما في خططها لمحاربة زراعة المخدرات، ترى مجموعة الأزمات أن الحكومات الأجنبية مستفيدة كثيرا من توقف أفغانستان عن إغراق الأسواق العالمية بالمخدرات، و"هذا يوفر فرصة نادرة للعمل مع السلطات الجديدة على قضية ملحة تعود بالنفع على جميع الأطراف".
لكن التقرير أشار أيضا إلى أنه "قلما يجرؤ أحد على تحدي طالبان، ويحترم المزارعون الحظر في الجنوب، حيث يوجد لطالبان العديد من المؤيدين"، ومع ذلك "فلا تزال هناك جيوب من معارضي الحظر، حتى في مقاطعة قندهار موطن طالبان، وتنتشر مقاومة الحملة على نحو أوسع في الحقول الصغيرة في المناطق الجبلية في شمال البلاد وشرقها".
كما يشير التقرير إلى أن تدابير طالبان قد زلزلت قطاع المخدرات بالفعل، ومع ذلك فإن مستقبل الحظر ما زال موضع شك، ويتوقع بعض الخبراء أن تأثيره الاقتصادي سيجبر طالبان على التراجع عن التمسك بتطبيقه على هذا النحو.
ومن التحديات التي تقف أمام تطبيق حملة طالبان أيضا أن البلاد تحتاج إلى خطة تنمية تركز بشكل أوسع على التوظيف غير الزراعي، لكن الواقع أن قطاع الزراعة الخالي من المخدرات لن يوفر وظائف كافية، وكل هذا سيتطلب وقتا حتى تقوم البلاد بالانتقال المؤلم بعيدا عن الاعتماد على المخدرات كمحصول نقدي، كما يقول التقرير.
حملات سابقة
ويقول تقرير مجموعة الأزمات إن لدى طالبان إرثا معقدا فيما يتعلق بالمخدرات، فعندما تأسست الحركة عام 1994 كانت البلاد تنتج بالفعل كميات كبيرة من الأفيون، وفي السنوات الأولى من حكم طالبان كانت أفغانستان تنتج 75% من إمدادات العالم.
ثم أصدرت حكومة طالبان عام 1999 قرارا يأمر جميع المزارعين بتقليص زراعتهم بمقدار الثلث، وهو ما لم يحقق نجاحا يذكر، ومع ذلك أصدر زعيم حركة طالبان الملا عمر في يوليو/تموز 2000 قرارا يفرض حظرا كاملا على زراعة الخشخاش.
وثبت أن الحظر لم يدم طويلا، فقد ألغته طالبان في سبتمبر/أيلول 2001، بسبب توقعات بمواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة في ظل أجواء عدائية تلت "أحداث 11 سبتمبر"، ولم تستطع طالبان تحمل منع المزارعين.
ويضيف التقرير أنه بعد الإطاحة بنظام طالبان عام 2001، ازدهرت زراعة الخشخاش تحت إدارة الحكومة الجديدة المدعومة من الولايات المتحدة، وبلغت مستويات قياسية رغم البرامج الممولة من الغرب لمكافحة المخدرات.
حجم المعاناة
ويورد التقرير ملاحظات بشأن حملة طالبان على زراعة الخشاش، ومنها:
الحظر يتفاوت تنفيذه عبر البلاد، إلا أنه يشكل حظرا شاملا ويغطي مناطق أكثر من أي محاولة سابقة، حيث لم يكن الملوك والرؤساء يتوقعون أن تصل سلطاتهم إلى المناطق النائية، كما يحصل مع طالبان.
قد يتسبب الحظر الصارم على زراعة المخدرات في دفع شرائح واسعة من السكان الريفيين -خاصة النساء- إلى فقر أكبر، لا سيما مع انعدام أفق الوظائف لدى القرويين والعاملين في الزراعة.
على طالبان تبني نهج أكثر واقعية لمعالجة البطالة، وأن تتبنى الصدمات الاقتصادية بجدية، وعلى الأطراف الإقليمية والدولية التعاون مع طالبان من أجل مكافحة تجارة المخدرات الدولية، والحد من الهجرة، وإتاحة فرص عمل لدعم النساء الريفيات.