صدرت الترجمة العربية لمصنف الفرنسي باتريس فيرمران المعنون بـ»الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للباحث المغربي المهدي مستقيم، عن منشورات بيت الفلسفة، الفجيرة ـ الإمارات العربية المتحدة 2024، وهو مصنف يسرد قصة العلاقة الفلسفية بمؤسسة اليونيسكو، ليس فقط في صيغتها التأمليّة أو المعيارية، بل في صيغتها القائمة على السؤال النقدي الذي يتيح إمكانات إضفاء معنى على الحياة وعلى الفعل في سياق عالميّ.
فاليونيسكو ولدت من رحم التساؤل عن شروط إمكان انبجاس عالم يسوده السلام والأمن على نحو مستدام. وتبعا لذلك تكون جوابا مؤسساتيا عن سؤال فلسفي سبق أن طرحه كل من شارل إيرينيه كاستل دي سان بيير، وكانط، فضلا عن ذلك يمكن القول إنها مؤسسة فلسفية قائمة الذّات، باعتبار أنها تقترح ذاتها طرفا معنيّا بالمساهمة في الحفاظ على السلم والأمن، عبر تشديدها على أولوية التعليم والعلم والثقافة، والتآزر بين الشعوب من أجل ضمان الاحترام الكوني للعدالة والقانون وحقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع، دون أي تمييز، يقوم على العرق والجنس واللغة، أو الدين، بحيث يصبح ميثاق الأمم المتحدة المعترف به من قبل جميع الشّعوب، غاية تلزم الاعتراف وتفعيل ضرب من فلسفة الحق، وحقوق الإنسان والتاريخ الكوني، عبر وسائل تُعَدُّ في حَدِّ ذاتها فلسفيّة.
لكن من الأجدر به القول إنَّ اليونيسكو لا تتبنى ضربا مخصوصا من الفلسفة، بالمعنى الأصيل للكلمة، نظرا لكونها مؤسسة تتطلع إلى أن تكون الفضاء الأثير للتبادل والحوار، ولتعدد خبرات الفكر وثقافات العالم. ومن ثم، يمكن القول إن اليونيسكو هي في حد ذاتها بمثابة فلسفة. ومن هذه الفلسفة التي هي اليونيسكو سيكون بوسعنا صياغة تاريخها. ذلك أنّ استناد اليونيسكو الدائم إلى ذاكرة تقاليدها، هو ما أتاح لها إعادة ابتكار حاضرها وفاء منها لصكها الدستوري. إن إحدى القراءات الممكنة لهذا التقليد، هي التي يقترحها علينا هنا باتريس فيرمران Patrice Vermeren، من خلال عمله على بسط الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو. ويعود الفضل لهذه القراءة في الحث على دعم إحياء هذا التقليد والمساهمة ـ من خلال كل الوسائل الممكنة- في تعميم ثقافة فلسفية عالمية. على أمل أن تكون أوراش عمل العلوم الاجتماعية والإنسانية، مختبرا حقيقيّا للأفكار والاستشراف، ومكاناً دوليا للبحث والتفكر والتبادل وبلورة المبادئ، والقيم، والسياسات في مجالات الاستشراف، والعلوم الإنسانية والاجتماعية، والفلسفة، وحقوق الإنسان، وأخلاقيات العلوم والتكنولوجيات، لقد آن الأوان لتفعيل قوة الأفكار، قصد التأثير في التحولات الاجتماعية، ضمن هذا المسار، ونقصد «المنعطف الفلسفي».