
الدوحة - الأمة برس - صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب من الاغتراب إلى التشيؤ في منظور كارل ماركس: "التشيؤ" منهجًا ماركسيًّا لتحليل الرأسمالية ونقدها، تأليف علي أسعد وطفة، ضمن سلسلة "قضايا". يشمل الكتاب مقدمة، وستة فصول وخاتمة، إضافة إلى مراجع وفهرس عام، ويتألف من 164 صفحة. ويتناول مفهومَي الاغتراب والتشيّؤ بوصفهما من أهم الأدوات المنهجية في التحليل الماركسي لظواهر الاغتراب داخل المجتمعات الرأسمالية المعاصرة. ويسعى إلى تقديم رؤية دقيقة توضّح أبعاد التداخل والتكامل بين المفهومين، مع إبراز دورهما في فهم آليات النظام الرأسمالي وآثاره الإنسانية والاجتماعية.
يكرّس المؤلّف جهده للفصل بين المفهومَين في الإطار الماركسي، ضمن رؤية نقدية جديدة ومبتكرة تستند إلى نظرية جورج لوكاتش واجتهادات الماركسيين النقديين، مبرزًا طريقة توظيف كارل ماركس الاغتراب والتشيّؤ في تحليل البنية الرأسمالية وتفسير علاقات الإنتاج وأشكال الاستلاب الإنساني التي تولّدها. ويبيّن أنّ مفهوم التشيّؤ يشكّل أحد المفاتيح الكبرى لفهم كينونة الإنسان الحديثة؛ إذ يُعدّ التعبير الأكثر دقّة عن الشقاء الإنساني والاغتراب الاجتماعي في ظل النظام الرأسمالي، فهو التجسيد السوسيولوجي لفكرة الاغتراب التي تناولها الفكر الديني والأسطوري والفلسفي منذ أقدم العصور، في سعيه الدائم إلى تحرير الإنسان من معاناته الوجودية وإعادة صلته بجوهره الضائع.
يرى الكتاب أن نظرية ماركس الاغترابية أثّرت في الفكر العالمي خلال القرن العشرين، ولا تزال راهنة اليوم في تحليل النظام الرأسمالي وتناقضاته، فهي نموذج علمي لتحليل الواقعين المادي والاجتماعي، كاشفة عن دور الرأسمالية في سلب إنسانية الإنسان؛ فهي تحيله إلى سلعة في شبكة الإنتاج والاستهلاك. وأصبح مفهوم التشيؤ مع المفكر الماركسي لوكاتش في كتابه التاريخ والوعي الطبقي مفهومًا محوريًّا في الماركسية النقدية، كاشفًا عن صنمية السلعة وهيمنة التسليع الرأسمالي الذي جعلَ الإنسان والقيم جميعها أشياء فاقدة الروح. ثم جاءت مدرسة فرانكفورت لتوسّع المفهوم وتجعله أداة تحليل أساسية في نقد الحداثة الرأسمالية؛ إذ رأى مفكروها أن التشيّؤ لم يعد ظاهرة اقتصادية فحسب، بل أصبح أيضًا بُعدًا أنطولوجيًّا وثقافيًّا يتوغّل في تفاصيل الحياة الحديثة، مفرّغًا الإنسان من جوهره الأخلاقي والروحي والعقلي، ومحيلًا إيّاه إلى كائن سلعي خاضع لمنطق السوق والربح والسيطرة. وبهذا، تحوّلت الرأسمالية إلى نظام ينتج العبودية الحديثة، ويستلب الإنسان جسدًا وروحًا، ويقوّض قدرته على التفكير النقدي والارتباط الاجتماعي.
إن كل تطوّر تكنولوجي يزيد تعقيد ظاهرة الاغتراب، وهو ما لمّح إليه جان جاك روسو وسيغموند فرويد في حديثهما عن العلاقة العكسية بين التقدّم والأخلاق. ويظلّ ماركس المرجع الأبرز في تفسير هذا البؤس الاغترابي؛ إذ اكتشف قانون التطور في التاريخ الإنساني، كما اكتشف داروين قانون التطور في الطبيعة، مبيّنًا كيف تُنتج الرأسمالية الاغتراب والتشيّؤ عبر علاقات الإنتاج وتسليع الإنسان.
ويخلص إلى أن التشيّؤ والاغتراب قضية فكرية وإنسانية جوهرية تتطلّب إعادة تأصيل فلسفي وسوسيولوجي لفهم آثارها في بنية النظام الرأسمالي الجديد، وصوغ رؤية نقدية قادرة على استعادة جوهر الإنسان وقدرته على إنتاج المعنى والحرية. ويؤكد أن الفكر الماركسي ما زال فاعلًا في الوعي الفلسفي الحديث بفضل عمقه التحليلي وقدرته على تفسير الظواهر الاجتماعية المعاصرة.
ويخلص الكتاب إلى أن الخلاص من الاغتراب يقتضي القضاء على ظاهرة التشيّؤ الإنساني واستعادة روح الحضارة المهدَّدة، فحين تغدو الحضارة جسدًا بلا قلب، تفقد معناها، وتصبح البشرية مهدَّدة بالفناء الروحي والوجودي.