حسن وحسين

2024-08-09

صالح الرزوق

كان جاري قاسم يجيد كتابة الشعر، الحر طبعا، فهو لا يعرف شيئا عن الأوزان والقصائد العمودية. نعم يحفظها عن ظهر قلب لكن مهما أجهد نفسه لا يكتب بيت شعر واحد.

في ليلة الخميس زاره حسن..

وهو صديقه منذ أيام الطفولة، وفرق بينهما الصراع الطبقي. تحسنت أحوال عائلة قاسم وسكنوا قرب الجامعة، وبقيت عائلة حسن في مكانها، وراء باب النصر، أو بالأحرى ما تبقى منه.

كان حسن متأنقا.

بذة بيضاء، وحذاء أحمر ملمع كالمرآة، مع تسريحة تقسم شعره إلى نصفين، كأنهما جناحا عصفور. لذلك كنا نناديه باسم حسن العصفور. في حين أن لقب عائلته هو نوح، تيمنا بالنبي المعروف، والد سام وحام.

ومن عتبة الباب ذكر حسن أسباب زيارته. كان يريد أن يكتب له قصيدة «مفرحة».

رد قاسم: قصيدة ومفرحة؟!. لماذا؟.

قال حسن: لحفل زفاف.

وكانت هذه مهنته. مطرب شعبي يحيي الحفلات، وإن لم يكن صوته رخيما. لكن في أعراسنا حتى تغريد البلابل يخنقه صوت الرصاص وهو يلعلع. وما نهدره على حفل عرس يكفي لتحرير الأراضي المحتلة. وهذا قدرنا. أن نعبّر عن غيظنا المكتوم في وقت مخصص للاستجمام والفرح.

رد قاسم: أف. قصيدة شعر حر لعرس شعبي.

حاول حسن أن يغريه. قال له: ولم لا؟. سأدفع لك خمسة بالمائة.

وأضاف بتذلل: بليز.

وهو لا يعرف غير هذه الكلمة الأجنبية بالإضافة إلى أوكي.

قال قاسم: لا بد أنك تمزح.

قاطعه حسن: قليل؟. سأكون كريما معك. خذ خمسة بالمائة وفوقها حبة خردل.

وانخرط بالضحك. كان الكلام لحينه يدور أمام الباب، وخجل قاسم أن يسمع الجيران هذا الكلام السفسطائي، فدعاه للدخول.

قال حسن: لا يوجد لدينا وقت. معنا ساعة.

ومد يده بقلم وورقة، وتابع: خذ. العدة جاهزة. ورسم له ابتسامة تدل على التهديد أكثر من التشجيع.

قال قاسم فورا: لا. هذا كثير. لديك أرشيف فريد وعبد الوهاب وفريد. أغاني الأعراس كثيرة.

رد بصوت محزن: لا ينفع، الشرط أن تكون خاصة.

قال قاسم: هه. وتوجد شروط أيضا.

ثم انتبه لجدلهما العقيم. وأخبره أن الشعر الحر لا يصلح للأعراس ولا التلحين.

نظر إليه حسن نظرة عميقة وقال: وهل طلب منك أحد أن تكتب قصيدة غير حرة؟.

لم يبق أي مجال للتفاهم. كيف يمكن أن يشرح له أن الشعر الحر يعني الحديث، وهو لا يتجاوب مع الذوق الشعبي، ولا يصلح أساسا للتلحين. وفكر أن يأتي له بديوان البياتي أو أدونيس ليرى المشكلة. لكن في تلك اللحظة سمع صوت ضربات على دربكة، وظهر حسين، الأخ التوأم لحسن، وهو العازف الوحيد في هذه الأعراس. يضرب على الطبلة، وينفخ بالناي، وإذا اقتضت الضرورة ينقر بالصناجات. وحسين صورة لحسن بالمرآة، وكي لا نخلط بينهما احتفظ الأول بلحية، وكان الثاني أمرد. وحينما شاهد حسين الثنائي واقفين عند الباب صاح بهما: أين الأغنية؟. العريس صار في الصالة.

وضرب على الطبلة ثلاث ضربات نسفت رأس قاسم. وتابع: لم يبق معنا وقت. تأخرنا.

ثم خبط خبطة أخيرة سببت لي الدوار. طبعا كنت أستمع لهذا الحوار من وراء الباب، فقد كنت جار قاسم. وانتبهت للضجيج، فأخذت نظرة من العين الساحرة، وشاهدت الثلاثة واقفين بهذا الموقف الدرامي. ثم رأيت حسن وحسين يدفعان قاسم إلى داخل بيته وهما يصيحان: لديك أقل من ساعة. مفهوم.

ثم ابتلعه ظلام المدخل، وبقي التوأمان أمام بابه، مثل الإله «حدد» الواقف أمام المتحف الوطني.

قلت لنفسي: لماذا لا ينسخ لهما قصيدة من ديوان «إيروتيكا» لسعدي يوسف، فلغته في هذا الديوان مكشوفة، ويذكر فيها العانة والحلمة والسرة. أشياء قد تفتح شهية رجال باب النصر، ولا يهم إن زعق حسن بالكلمات أو غناها. المهم شحنة الليبيدو. لكن بعد ربع ساعة صفرت سيارة النجدة، ورأيت أكثر من أربع أو خمس رجال شرطة يداهمون الأخوين ويجرونها. ولا أعرف هل اشتكى قاسم للشرطة أم أنها مداهمة لسبب آخر، كان للاثنين عدة مشاكل منها التهريب والتزوير ولعب القمار.

كاتب سوري








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي