«كهف الألواح»: رحلة في متاهات ما بعد الحداثة

2024-07-25

عن دار نوفل/ هاشيت أنطوان صدرت رواية «كهف الألواح» للكاتب المغربي محمد سعيد أحجيوج. هي رواية تنتمي إلى حساسية ما بعد الحداثة، بما تتسم به من تشظٍ وتعدد وانفتاح، وتقويض لمركزية العقل والذات والحقيقة الواحدة.

فالرواية، عبر بنيتها المتشظية وتداخل أصوات الشخصيات وحكاياتها، تتحدى فكرة الحبكة المنطقية والخطية، وتقدم سردا متعدد الطبقات والمستويات، يتأرجح بين الواقع والحلم، والذاكرة والهذيان. وهي بذلك تزعزع اليقين في إمكانية تمثيل الواقع تمثيلا شفافا ومطابقا، وتشكك في مفهوم الحقيقة الثابتة والنهائية. كما تتميز لغة الرواية بكثافتها وغموضها وميلها إلى التجريد، حيث تتحول إلى أحجية كبرى تستعصي على فك شيفراتها، وتنفتح على تأويلات لا نهائية. وعبر توظيفها المكثف للتناص والمفارقة وتداخل الأجناس والخطابات، تتحول اللغة إلى فضاء للعب الحر والمراوغة الدائمة، حيث تنهار الحدود بين الحقيقة والمجاز، وبين الدال والمدلول.

وضمن رؤيتها التشكيكية وجمالياتها التجريبية، تطرح الرواية أسئلة جذرية حول إمكانية المعرفة والتواصل والتمثيل، وحول علاقة الذات بالعالم والآخر واللغة. وهي أسئلة لا تسعى الرواية للإجابة عنها بقدر ما تكتفي بطرحها واستفزاز القارئ بها. فالشخصيات الثلاث (خلود وإيزل وآزاد) وهن يخضن رحلة البحث عن الحقيقة في كهف الألواح، يجدن أنفسهن أمام مطلق غامض يتعذر الإمساك به أو تحديده، مطلق يتراجع باستمرار ويتقنع بألف قناع ووجه. وبتوظيفها لتقنيات ما بعد حداثية كالتناص والميتاقص والسرد المتقطع، تتحول الرواية إلى نص منفتح على نصوص وخطابات لا نهائية، يقوم على المراوغة والتشظي والتعدد، ويرفض القبض على المعنى، أو تثبيته. وهي بذلك تشكل تحديا للقارئ وفعل القراءة ذاته، إذ تدعوه إلى التخلي عن فكرة المعنى النهائي، والاستمتاع بلذة القراءة كرحلة لا تكتمل، ولقاء دائم مع المختلف والمؤجل.

إن رواية «كهف الألواح» بهندستها المعقدة وكثافتها الفلسفية، تمثل علامة فارقة في مشهد الرواية العربية، كنص روائي طليعي يؤسس لحساسية ما بعد حداثية، تنهض على نقد الحداثة وتصوراتها اليقينية والأحادية، وتحتفي بتعدد المعنى وسيرورة الاختلاف والصيرورة، في شكل فني جديد وجريء ومغاير.

تجدر الإشارة إلى أن أعمال أحجيوج السابقة، بما في ذلك «كافكا في طنجة» و»أحجية إدمون عمران المالح» و»ليل طنجة» حازت استحسان النقاد ، مع ترجمات لعدة لغات، وبصدور «كهف الألواح» يثبت أحجيوج موهبته وصوته الروائي المتفرد، معززا مكانته كأحد الأصوات الجديدة في الرواية العربية.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي