نازك بدير
إن ترى البحر مرّتين: مرّة بلون الفجر معتّقا، ومرّة بلون شجر الجميّز، وفي كلتا الحالتين، تخشى الاقتراب منه، تدرك تماما أنّ صفحته ستنشقّ فجأة لترفعك إلى السماء العاشرة، وترميك في أقاصي أعماقه.
هناك، حيث ولدتَ في تلك المتاهة المتنازع عليها، الغائرة في باطن الجحيم، تدفعك في طريق لولبي، زجاجي لا قرار له، تتخبّط ذات اليمين وذات الشمال والأسفل والأعلى، مع عدم قدرتك على معرفة الجهات في تلك اللحظات
في ذلك الممرّ اللامتناهي تتعثّر، فتنزلق، وقد تصاب روحك بالكسور، وتؤثر ابتلاع ما نزفتَ لتضمّد به جراح مستقبلكَ. قد يتسنّى لكَ، وأنتَ داخل الممرّ الزجاجي، أن تلمح وجهكَ، فلا تعرف صورتك، أنتَ نفسكَ غريب عن قسماتك، عن عيونك، عن نظراتك. تقول، لا، لست أنا. تظنّ أنّ شخصا آخر يشارككَ المكان، ينظر من خلالكَ، فتنعكس صورته أمامكَ، لكن كلّما حدّقت أكثر، وبحثت في أعماق تلك العيون، وجدتَ بعضا ممّا كان فيك، ذلك الحزن الدفين الذي يأبى الارتحال.
كاتبة من لبنان