إلى علي حاردان في ذكراه…

2024-05-31

محمد الشحري

لا أدري يا صديقي من أين أبدا الكتابة من الخاص إلى العام أو العكس، لكن في كل الأحوال ستكون الكتابة إليك نوعا من الطقس الجميل الذي يشعرك بذاتك وقيمة ما تفعل فور الانتهاء منه، ولا أخفيك يا صديقي حيرتي تقديم المواضيع هل أقدم الأخبار السعيدة، أم أختم بها كتابتي إليك، مع أن الأسى متوج هذه الأيام على عرش الأحداث عازفا سيمفونية الأوجاع بكل مقاطع الأنات وحركاتها، وبما أنني في حضرة الألم والأحزان فإني سأحدثك عن غزة عن الجرح الفلسطيني الدامي، عن آلاف الشهداء والجرحى من الأطفال والنساء والشيوخ، نعم يا صديقي.. الشعب الفلسطيني يُباد كما تعرف، ولا يتلقون أي مساندة أو مساعدة إلا من فصائل المقاومة في جنوب لبنان واليمن، نعم اليمن رغم كل الظروف السيئة، إلا أن الشعب اليمني يحاول الضغط على الاحتلال الصهيوني وداعميه الدوليين والإقليميين، لوقف آلة القتل المستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين مارس الغزاويون حقهم المشروع في طرد المحتل الصهيوني من فلسطين، وقد نجحت فصائل المقاومة الفلسطينية في مفاجأة جيش الاحتلال وركع جنوده وضباطه، ومنذ ذلك الحين والجيش الصهيوني مدعوم من الدول الغربية كافة المتعهدة بحماية الكيان الصهيوني مهما ارتكب من مجازر وإبادة جماعية بحق المدنيين ومدنهم وقراهم.

لا تسألني يا صديقي عن الأنظمة العربية التي تتفرج على ما يحدث، دون أن تحرك ساكنا إلا في عبارات الشجب والإدانة والتنديد والتعبير عن القلق، أما الشعوب فكعادتها مكبلة بقوانين حرية التعبير وأدوات القمع النافذة. لكن الشعب الفلسطيني الذي يقدم الأرواح قرابين للحرية، يسير على خطى المناضل الفلسطيني جورج حبش (1926-2008) الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذي قال «رغم كل الانهيار العربي الرسمي الذليل، رغم كل ذلك يعلنون للتاريخ للمستقبل بأن شعبنا الفلسطيني الذي قاتل وقاتل وقاتل وضحى سيبقى يقاتل سيبقى يضحي، إلى أن تنتصر قضية الحرية على أرض فلسطين والأرض العربية». رفض أحرار العالم من شعوب وأنظمة غطرسة الاحتلال الصهيوني، فقامت بعض الدول في أمريكا اللاتينية بقطع علاقاتها مع الكيان، وتقدمت جمهورية جنوب افريقيا بدعوى ضد الكيان إلى محكمة العدل الدولية، واعترفت إيرلندا وإسبانيا والنرويج بدولة فلسطين، كما قام مئات الطلبة في الجامعات الأمريكية والأوروبية بالتضامن مع الشعب الفلسطيني ضد الإبادة الجماعية التي تمارسها الصهيونية على الشعب الفلسطيني منذ 1948 وإلى الآن. لكن هذه الأمة وقد وصفها الشاعر مظفر النواب (1934-2022) وأحسن وصفها في قصيدة الأساطيل عندما قال:

« لا تخف

إننا أمةٌ لو جهنم صُبت على رأسها واقفة

ما حنى الدهر قامتها أبدا

إنما تنحني لتُعين المقادير إن سقطت تقوم

تتم مهماتها الهادفة».

سأتوقف يا صديقي عن نكء الجراح وأحاول أن أخبرك عن زيارتي لبغداد في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أمضيت في مدينة الرشيد ما يقارب العشرة أيام تجولت في أحيائها وشوارعها وأرصفتها، وتعرفت على مجموعة من مثقفيها وأصدقاء غمروني بكرمهم ونبلهم. في بغداد يا صديقي كما تعرف وعرفتها قبلي تلامس روح العراقيين ومحبتهم شعب يتكئ على حضارة علّمت البشرية الأبجدية، في بغداد يا صديقي رأيت ما يفعله العسكر بالمدنية، وكيف يقلبون المدن رأسا على عقب، ربما لا توافقني الرأي لكن دعنا مرة أن نختلف، ما المانع من اختلاف وجهات النظر.

حين نلتقي سأبوح لك أكثر هناك خزان من الكلمات يحتاج إلى أن يُصرف خارج الذات، نسيت أن أخبرك أنني أنهيت كتابة مخطوط رواية آمل أن تصدر خلال هذه السنة. في العام المقبل ربما أستطرد أكثر في البوح، أما الآن فاسمح لي يا صديقي أن أتوقف هنا.

كاتب من عمان








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي