جمال العتّابي
(صباح الخير).. مفردة، وحدها لا تكفي، شبه جملة تتوالد لا تنتهي، مرتبطة بديمومة الصباح، مختصرة، قديمة، مستهلكة، تأتي وراءها صباحات غير متكاملة، لأن الصباح يُخلق يومياً، معه الكلمات تبتكر بطريقة لا واعية. الصباح مستويات، بداية عمل وحياة.
نحن كائنان صباحيان نستيقظ مبكرا، وفقاً لشروطنا الخاصة، عادات بسيطة تتحكم في أوقاتنا الصباحية وهندستها وفق ما نشاء. الصباح يحمل في سماه ألف أمنية بعد أن تمطّى الليل في أجسادنا، نحصد الأحزان دونما صوت، لكننا نختصر المسافات حين نشرع في اللهو، نرقب الرعشة الأولى للضياء. الشاعر (الجنوبي ع) يعرف سر الكلمات، فيحركها دونما ربّان، فينهال عليّ مرة واحدة (برشقة) صباحات لا تبعث فيّ المسرّة، إنما تثير الفزع في نفسي، ربما هذا (الصلي) تعبير لحالة جزع عند صاحبي:
صباح الجنة الشمالية/صباح العطرانية المشتهاة/ صباح الأبيض المشع/صباح البياض صانع الأثر.
الشاعر الجنوبي طاف شراعه بالحانات، وظلمات جبهات القتال، «لابت» به عروق الجوع والحرمان، وقذفته بعيداً عن رمال الشاطئ الخجول. نم ليلة أخرى بلا حلم، بلا وهم.. وحاذر أن تسمع الجدران شيئاً أيها الرجل المكابر. هبنا زهرة كَاردينيا أول الصباح، لماذا أنت مستفز؟
ع: نبدأ بصباح الشواطئ
ج: صباح الريح الفتية
إنها ريح شريرة، يجيب ع، لازم «الحالوب» له فعله البارحة
يوم آخر،
ع: صباح الشاردات
ج: صباح ملكوت الفكرة
ليلة البارحة كان ج يشكو لصاحبه وجع الضرس، في الصباح يبدأه بالسؤال: شلونه ضرسك اليوم، عليك بمضغ القرنفل،
ج: صباح الضرس المتوحش
ع: الله يكون في عونك، البديل باهظ، تأتي الإجابة مساء،
مساء القند، جاسم عاصي لم يستلم (كشك خانم) بعد؟
ج: صباح القهوة الخجولة
ع: صباح الحيرة المنتهية، هذه صورة لمنتج تركي رهيب.. خلطة سحرية ثوم زائد ليمون مع «معدنوس» له فوائد كثيرة، يرفع المناعة، العلبة تحتوي على 60 كبسولة، السعر 10 آلاف دينار، كبسولتان أثناء وجبة الظهر.
ج: شكراً دكتور، ممكن أحجز موعداً لمراجعتك
ع: اتصل بالسكرتيرة
ج: صباح العلق الدافئ
ع: عفواً، مساء القلب كالماء، كنت مشغولاً هذا الصباح بإجراء التحاليل!
ج: لعد وين وصفتك؟ خلي تفيدك!
ع: صباح أبهة الذهول
ج: صباح رياضيات الحلم
ع: صباح النسوغ، هلو عطراني! منهاجي الصباحي اليوم المرور على (فور سيزن) عندي (حسبة) مع صديق!
ج: صباح أغصان السؤال، ما زلت تتأمل أيامك في دخان السجائر، أحسن شيء فعلته، أنك تركت التدخين.
ع: العلم عند الله
٭ ٭ ٭
ع: صباح الموسيقى المكسورة في قلب ربابة
ج: يبين ما متعشي زين البارحة! صباح أنفاق الشهقات،
ع: بعد السلام وصفة طبية تفيد الانفلونزا، وبعد لا تراجعني: تناول البرتقال مع قشره، غرغرة بالماء والملح، عليك بخل التفاح، مع تحيات (صيدلية الله أكبر) ملحق: الزعتر البري محلول ساخن ممتاز جداً، الصيدلية نفسها مع الاعتذار.
ج: من هذا صار اختصاصك كيميائي! بشّرني، ما نتائج التحاليل المختبرية الاخيرة؟
ع: انخفاض في النسبة. الدهون الثلاثية 171، شنو رأيك؟
ج: عظيم جداً، النتائج تجدد عزيمتك لمراجعة (نثر العالم) عليك أن تسخن عصير الليمون والزنجبيل لتشرب منه باستمرار، يساعد على رفع مناعتك، لا بأس أن تخلط العسل بالزيت، تداوم عليه لمدة شهرين، لا تنس أن مزاجك هذا اليوم ممتاز، ورائق، ستقودك خطاك والشوق إلى صديقيك (الفلامنكو) وتايه، سلامي لهما.
هناك في المكان سترتطم اللهفة في بئر الشهوة!
ع: لو تاركها ورا الفطور!، الفلامنكو (يلوذ) بالشام قريباً من باب الحارة، «شرجي» البصرة لا يبعث في نفسه الرغبة للخلو مع نفسه. وتايه يجاور (مخلوقاته) العجيبة، يحاورها نصف الليل، يداعبها مثل الدمى، ثم يترك كأسه للنصف، ويركض بين الأرض والسماء.
ج: صباح الخاصرة الشمالية من الشط
ع: صباح تمتمة الغدران وشهقات الجداول، (عبرت الشط على مودك) تخطفني رغبة في البكاء.
ج: يا ساتر، بعدنا ما فتّحنا!
هناك زهرة تندس في الشوك يا صديقي، توقظ حكاياتنا الصباحية المغمورة في الحلم والخيال، نبحر في شواطئ المحال، وتنطفئ في دربنا الأسئلة.
ع: رغبة في البكاء على أحد مات، من أجل لا شيء مات.
أسماؤنا مثل أيامنا تتشابه، لا تدلّ علينا تماماً.
ج: لعل الزمان يحث الخطى معنا،
ع: خذ يا صهيب فم الإبريق في شغف
واسكب شرابك من أصل الفراديس
فلا يعيب على الندمان خمرتهم
إلا الذي لم يجرب حادي العيس
ج: خلي حافظ الشيرازي يفيدك! خبرني بنتيجة psa، قراءة الأنساق الجوانية أحسن من الرحيل مع حادي العيس؟
ع: صباح السطوع المتواتر
ج: يا فتاح يا رزاق!
ع: هل قرأت ما كتبه الناقد الصكَر عن (حكاية الكلمة الخضراء)؟
ج: انطيني مهلة! بعد ما فتّحت عيوني!
ع: إلك بس (سواد الليل)!
ج: وهاي هم «كَونية» حنطة!
عيونك تبحر فيها الكلمات يا صديقي، وجبينك راجف
مجهد، ماذا أرسل إليك هذا الصباح؟ كنت قد نمت طويلاً ليلة البارحة، تحدثت لي عن (السحر) الذي تبعثه فيك جرعة (الهرموني) كأن لم تشتجر في أضلعك الأحزان، كأن لم تأكل (صمون الجيش مع الوجبات). ما زلت تحلم، وتزرع الزنبق الأخضر في حديقتك منزلك الصغيرة، ويداك تخط عبر السور حرفاً رائعاً يعبد.
أنا صديقك (ج): هب لي حروف الصبح تطعمني، ولو شئت أن تأتي إلى بغداد، أريد أن أضم ضحكتك الأثيرة.
كاتب عراقي