خالد محمد غازي يرصد سير الفائزات بجائزة نوبل للآداب

2023-12-19

إبراهيم مشارة

كتاب «التفاحة الذهبية نساء نوبل.. الفائزات في الآداب» يتناول فيه الكاتب المصري خالد محمد غازي سير وأعمال الكاتبات والشاعرات اللائي فزن بجائزة نوبل للآداب منذ تأسيسها عام 1901 وحتى عام 2015، صدر عن دار ناشرون وكالة الصحافة العربية في القاهرة في 2018 ويقع في 307 صفحات، قسمه الكاتب إلى قسمين تناول في القسم الأول حياة ومسيرة وأعمال صاحب الجائزة ألفريد نوبل، ومضمون الوصية التي تركها، وظهور مؤسسة نوبل ومصادر تمويل هذه الجائزة، ومن المعلوم أن جائزة العلوم الاقتصادية مستحدثة، ثم النقد الذي وجه إلى هذه الجائزة من لدن بعض ممن فازوا بها، أولئك الذين وقف نوبل ببابهم مسلما إليهم الميدالية والشهادة والصك، فاعتذروا عن قبول المنحة السخية مثل، برنارد شو وجون بول سارتر، أو من النقاد والمفكرين والمثقفين في العالم، كون الجائزة متحيزة لأوروبا وأمريكا وتتحيز كذلك للبشرة البيضاء والثقافة الأوروأمريكية، وتتعاطف مع اليهود والصهيونية على حساب خطاب نوبل نفسه في الوصية الذين كرس المحبة والسلام وخدمة الجنس البشري.

يبحث الكاتب في المقدمة عن القواسم المشتركة بين هؤلاء الفائزات البالغ عددهن 14 امرأة ويقول (هل ثمة من عوامل وسمات مشتركة تجعل من نساء نوبل، يقفن بدرجة واحدة تحت مظلة واحدة من حيث اصطفافهن وفق معيار تميز الأداء الإبداعي؟ وهل من دوافع أخرى محفزة تجعل من الضروري تناول سيرة وإبداع هؤلاء النسوة؟). إن الاتهام الأول الذي يمكن أن يطال هذه الجائزة أنها ذكورية الهوى، فمعظم الذين فازوا بها في الرواية والقصة والشعر هم رجال، كما أن المرأة العربية كاتبة أو شاعرة غائبة عن هذه الجائزة، وليس ذلك مرده إلى ضحالة الكتابة النسائية العربية بالقياس إلى الكاتبات الغربيات، فمن الأديبات العربيات من يقفن بندية أمام نظيراتهن الغربيات. ولا شك، كما يرى الكاتب، أن السمات المشتركة بين هؤلاء النوبليات هي الإحساس بالاضطهاد والمعاناة، وقد كتبت سلمى لاغرلوف وهي أول فائزة بتلك الجائزة (حينما أكتب أعيش في وحدة كبيرة، وعليّ أن أختار بين عيشي لوحدي ووحدتي ومن ثم انطلاق القلم، أو أن أكون بين الآخرين فلا أسطر شيئا). والإحساس بالمعاناة والميل إلى الوحدة وعدم الرغبة في الاندماج الاجتماعي سمة تميز المبدعين كافة، رجالا كانوا أم نساء، وقد كتب موسيه ذات مرة «لا شيء يجعلنا عظماء غير ألم عظيم».

يتابع الكاتب أن بيرل باك كسرت الاحتكار الأوروبي لهذه الجائزة عام 1938 بوصفها أول أمريكية تفوز بهذه الجائزة، ولاعتبارات يهودية وصهيونية نالت نيلي زاكس الألمانية هذه الجائزة مقاسمة مع اليهودي ذي الميول الصهيونية شموئيل يوسف عجنون، كما كانت نادين غورديمير أول افريقية تفوز بهذه الجائزة من جنوب افريقيا، وتوني موريسون أول زنجية تفوز بها عام 1993، ثم البولندية فيسوافا شيمبورسكا عام 1996.

إن تتويج الإبداع النسائي لم يأت من فراغ فقد جاء ذلك نتيجة لمراس طويل من المعاناة والنضال النسائي لنيل الحقوق بالدرجة الأولى. وغني عن البيان أن النظرة التراثية الأوروبية للمرأة لم تكن إنسانية بالمرة، فقد نص أرسطو على أن الطبيعة لم تزود المرأة بأي استعداد عقلي يعتد به، كما كتب روسو (إنه من طبيعة المرأة أن تذعن المرأة بالطاعة للرجال) كما أن النهضة الأوروبية لم تكترث بالمرأة، وفي نهاية القرن الثامن عشر ظهر مقال تسبب في إعدام مؤلفته أوليمب دو عام 1793 والموسوم بـ»حقوق المرأة». لقد بدأت الحركة النسوية في فرنسا ومنها انتقلت إلى أوروبا، فكتبت البريطانية ماري ولستونيكريفن (الدفاع عن حقوق المرأة) عام 1792، كما أن صعود المرأة ارتبط بالحركة الرأسمالية وازدهار الأسواق والحاجة إلى اليد العاملة، فحصلت المرأة على حق التعليم في فرنسا عام 1805 وبعده بـ130 سنة حصلت على حق التصويت، ولم تتحصل عليه المرأة في روسيا إلا عام 1917 إبان ثورة البلاشفة وفي بريطانيا عام 1918 وفي ألمانيا عام 1919. وكان عام 1904 حاسما، فقد شهد ميلاد الاتحاد النسائي العالمي من أجل حقوق المرأة السياسية، ومن شتوتغارت الألمانية اقترح الثامن من مارس/آذار كل عام عيدا للمرأة عام 1907. ويلاحظ الكاتب أن الحركة النسوية التي ظهرت دفاعا عن حقوق المرأة قد انحرفت إلى المطالبة بالمساواة الكاملة، مما كان له الضرر الأكبر على المرأة الغربية، وعلى العموم فالحركة النسوية مرت بمراحل ثلاث، كان أولها المطالبة بالحقوق المادية والسياسية والقانونية، وفي الثانية بعد الحرب العالمية الثانية، أي بعد صدور كتاب بيتي فريدان «القداسة الأنثوية» اتخذت الحركة نمط صراع مع الرجل بطلب المساواة المطلقة، والحق في الإجهاض والمساواة في العمل والرواتب، وفي المرحلة الثالثة بعد الحداثة توسعت مطالب تلك الحركة بنيل المرأة للمناصب العليا في الدولة وتساوت في المستويات كافة مع الرجل، إلى المطالبة بتحرير المرأة من القيود الأخلاقية والدينية والاجتماعية والثقافية والمعنوية كافة.

ويأتي عام 1993 ليشهد تتويج أمريكية أخرى بنوبل وهي توني موريسون وهي الزنجية التي توصف بأنها صانعة رأي، والشعبية جدا، وأنها تصنع الرؤساء نظرا لتأثيرها في الرأي العام الأمريكي وقد أجلسها أوباما على كرسيه في المكتب البيضاوي ووقف إلى جانبها، وقد حاربت العنصرية في أدبها وتتبعت النضال في أمريكا منذ شحن العبيد إلى السواحل الأمريكية إلى مرحلة ما بعد الحداثة.

وبعد هذا العرض الموجز لقضية المرأة الأوروبية عبر التاريخ منذ أرسطو إلى مرحلة ما بعد الحداثة، يؤكد الكاتب أن فوز هؤلاء الكاتبات لم يكن مصادفة (وبنظرة متعمقة للسير الذاتية لكل فائزة من هؤلاء النوبليات يتضح أنهن يشتركن في وجود معاناة مرت بها كل منهن، وباستعراض هذه الأزمات واستنطاقها يتضح أن المعاناة الذاتية كان لها أبلغ الأثر كحافز إبداعي، وهو ما نراه واضحا في السير الذاتية والإبداعية للفائزات).

ثم يتناول الكاتب سير حياة وأعمال هؤلاء الفائزات البالغ عددهن 14 فائزة بدءا بسلمى لاغرلوف واختتاما بسفيتلانا أليكسيفيتش، وردن على الترتيب حسب تاريخ نيل الجائزة غراتسيا ديليدا، سيغريد أندسيت، بيرل باك، غابرييلا ميسترال، نيلي زاكس، نادين غورديمير، توني موريسون، فيسوافا شيمبورسكا، ألفريدي يلينيك، دوريس ليسينغ، هيرتا مولر، أليس مونرو، سفيتلانا أليكيسفيتش.

ولا شك في أن سلمى لاغرلوف هي ملكة الأدب السويدي، كما يطلق عليها وقد فازت بالجائزة عام 1909، وهي كاتبة أساطير وروايات ملحمية ومن أهم أعمالها رحلتها إلى فلسطين ومؤلفها الشهير «الرحلة العجيبة لنيلز هولفيرسون» الذي اشتهر عالميا كرسوم متحركة والتي وجدت في الرحلة إلى فلسطين بلسما لجراحها ومنفى روحيا لها بغية الشفاء والخلاص. وفي عام 1926 فازت بها الإيطالية غراتسيا ديليدا وهي كاتبة أدب التمرد على الواقع الاجتماعي، ثم سيغريد أندسيت عام 1926 وهي الكاتبة التي تدخل القارئ إلى عوالم كوامن المرأة ومتطلباتها، وإشكالية الذات والآخر والمعاناة وتأنيب الضمير. وجاء دور الأمريكية بيرل باك لتكسر الاحتكار الأوروبي لهذه الجائزة عام 1938، وافتكت أمريكا اللاتينية مقعدا للفائزات بنوبل بفوز التشيلية غابرييلا ميسترال بالجائزة عام 1945، وكان الناقد الفرنسي كلود فيل يقول عنها (إن المعاناة هي عمود الشعر عند غابرييلا ميسترال) تأكيدا لدور المعاناة والألم وأثرهما في نضج إبداع الكاتب ووعيه. بينما كان فوز الألمانية من أصل يهودي نيلي زاكس مقاسمة مع الصهيوني شموئيل يوسف عجنون، مبعثا لاتهام الجائزة بالتحيز للصهيونية خصوصا والشاعرة في قصائدها المستوحاة من الثقافة اليهودية يفيض شعرها بعبارات من العهد القديم وهي تقول (يا شعب الأرض لا تدمروا عالم الكلمات ولا تقطعوا بسيف الحقد الصوت الذي يولد مع الريح). وكان فوز نادين غورديمير عام 1991 تتويجا لنضال المرأة ضد سياسة القهر والتمييز العنصري في جنوب افريقيا وقد ناضلت نادين غورديمير ضد العنصرية، وانتمت إلى حزب المؤتمر الوطني الافريقي، الذي أسسه نيلسون مانديلا، وربطتها علاقة صداقة معه، وصرح هو أنه كان شغوفا بقراءة كتبها، وكانت نادين تقول عن نفسها إنها افريقية بيضاء البشرة وليست بيضاء من جنوب افريقيا.

ويأتي عام 1993 ليشهد تتويج أمريكية أخرى بنوبل وهي توني موريسون وهي الزنجية التي توصف بأنها صانعة رأي، والشعبية جدا، وأنها تصنع الرؤساء نظرا لتأثيرها في الرأي العام الأمريكي وقد أجلسها أوباما على كرسيه في المكتب البيضاوي ووقف إلى جانبها، وقد حاربت العنصرية في أدبها وتتبعت النضال في أمريكا منذ شحن العبيد إلى السواحل الأمريكية إلى مرحلة ما بعد الحداثة. ثم البولندية فيسوافا شيمبورسكا وقد فازت بنوبل عام 1995 وهي التي بدأت شيوعية مغالية في مدح لينين، ثم انفصلت عن الحزب الشيوعي وانتقدت الحجر على الحريات في أشعارها، التي تعبر عن واقع الإنسان المتشرذم. في 2004 فازت النمساوية الفريدي يلينيك وهي يهودية من جهة الأب وكاثوليكية من جهة الأم، وهي من أهم المدافعات عن المرأة. وفي عام 2007 فازت دوريس ليسنغ البريطانية وكانت المعاناة واضحة في حياتها وفي أدبها، الذي يعبر عن الصدام بين الثقافات والظلم الفادح الناجم عن التفرقة والصراع بين عناصر متناقضة والانقسام بين ضمير الفرد ومصلحة الجماعة.

بينما كان فوز هيرتا مولر الروائية وهي من الأقليات الألمانية في رومانيا المدافعة عن هويتها الألمانية، وعن أقليتها هناك والمناضلة ضد ديكتاتورية تشاوشيسكو. وكان فوز آليس مونرو عام 2013 بنوبل للآداب تقديرا آخر لآداب أمريكا الشمالية وكسرا للاحتكار الأوروبي لهذه الجائزة، ومونرو كاتبة قصص قصيرة وهي تتناول معاناة الفتاة مع العائلة والبلدة الصغيرة التي تحد من أحلامها ومعظم أعمالها عن النساء ربات البيوت، ولم تكن تقصد في نضالها لصالح المرأة والدفاع عن حقوقها وتعمقها لأزماتها النفسية والوجودية إلى معاداة الرجل والمصادمة معه، وهي تقول (لم أكن أعرف مصطلح النسوية لكن بالطبع كنت نسوية). وفي 2015 فازت البلاروسية سفيتلاتا أليكسيفتش بنوبل للآداب وهي كاتبة قصص قصيرة وصاحبة العمل المشهور (وجه الحرب غير الأنثوي) عام 1985 وهو عبارة عن مقابلات مع مئات النساء من الاتحاد السوفييتي سابقا اللائي جندن في الحرب العالمية الثانية، وهو شكل جديد من الإبداع القصصي كما تتحدث في قصصها عن مشاكل الاتحاد السوفييتي وحرب أفغانستان وكارثة تشيرنوبل، وكرست في أدبها هوية الأدب البيلاروسي، مقابل دوغمائية النظام الشمولي المتجاوز لتلك الخصوصيات الإثنية والقومية التي تميز هوية الشعوب، وتناغم الثقافات الإنسانية في اختلافها وتعددها.

كتاب جدير بالقراءة ينضاف إلى المكتبة العربية بتناوله سير وأعمال مبدعات من بنات حواء، في نضالهن من أجل تكريس الأدب النسوي في تميزه وخصوصيته فليس كالمرأة عارف بخبايا المرأة حتى لا يكون القلم ذكوريا كله.

كاتب جزائري








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي