تحت عنوان: “استئناف اللعبة النووية في الشرق الأوسط”، قال الجيوسياسي والكاتب رينو جيرار، في عموده بصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، إن اتفاقية فيينا الدولية التي اقترحها الاتحاد الأوروبي، وتم التفاوض عليها بعد ذلك بقيادة إدارة أوباما عام 2015، كان من المفترض أن تضع حداً للمنافسة النووية في الشرق الأوسط.
في مقابل الرفع التدريجي للعقوبات، وافقت إيران على وقف تخصيب اليورانيوم، والامتثال لنظام تفتيش صارم من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وكانت فكرة الغربيين ثلاثية: “طمأنة إسرائيل، وتجنب حرب أخرى على شواطئ الخليج الفارسي، ومنع سباق التسلح الذري من قبل القوى الإقليمية الكبرى”.
كما أوضحت أزمة الصواريخ الكوبية (1962)، فإن النقاش النووي يظل لعبة خطيرة للغاية. أدنى سوء فهم، يمكن أن يؤدي إلى انزلاق قاتل. ومع ذلك، فإن عدم شرعية -وبالتالي خطورة- اللعبة النووية تتزايد بشكل كبير مع عدد اللاعبين. لا يريد الغربيون والصينيون مثل هذه اللعبة في الشرق الأوسط، وهي منطقة مهمة في إمدادات الطاقة في أوروبا والمملكة الوسطى.
وأضاف الكاتب أنه بمجرد توقيع اتفاقية فيينا، امتثل الإيرانيون لها تماما. وأكدت ذلك أربع بعثات متتالية لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لسوء الحظ، عكس الرئيس ترامب من جانب واحد التزام الولايات المتحدة في عام 2018، معتبرا أن الأوروبيين أثبتوا أنهم غير قادرين على تحرير إيران من نير العقوبات، واستأنف الملالي تخصيب اليورانيوم. وإذا قررت إيران اليوم القيام بذلك، سيكون عليها فقط اتخاذ خطوة تكنولوجية وصناعية واحدة أخيرة لتصبح قوة نووية عسكرية.
بالنسبة لإسرائيل -القوة النووية منذ الستينيات- يشكل حصول إيران على أسلحة ذرية سببًا للحرب.
في مواجهة هذا التوتر الإقليمي، الذي لا سبيل لتعديله كما يقول الكاتب، قررت السعودية التكيف معه. في البداية، تعهدت بإعادة الاتصال بالإيرانيين، تحت رعاية الصين (اتفاقية بكين في السادس أبريل عام 2023). وقد منحها ذلك ميزة فورية وتأمينا للمستقبل: تخلي الحوثيين اليمنيين عن قصف البنى التحتية السعودية بالصواريخ. وتأكيدات بأن الأراضي السعودية لن تتعرض لأعمال انتقامية إيرانية في حالة الضربات الاستباقية الإسرائيلية على إيران.
في خطوة ثانية، غيرت الحرب الروسية في أوكرانيا ميزان الطاقة العالمي. سافر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الرياض في يومي السابع والثامن يونيو 2023، مع طلب محدد: أن تقيم المملكة أخيرا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. يودّ جو بايدن مثل هذا النجاح الدبلوماسي لتغذية الحملة لإعادة انتخابه.
ومضى الكاتب قائلا إنه في مواجهة هذا المطلب، اتخذ محمد بن سلمان لفتة تجاه حلفائه الأمريكيين الصعبين: وافق على استبدال مطلب الرياض القديم بالاعتراف الإسرائيلي الفوري بدولة فلسطينية على حدود 1967 (خطة الملك عبد الله لعام 2002)، بالتزام أكثر غموضا لمتابعة المسار. لكن بن سلمان طالب أيضا بشيء في المقابل: إمداد أمريكا للسعودية بالتكنولوجيا والمعدات اللازمة لإنشاء صناعة كهرباء نووية سعودية.
ومع ذلك، فمن السهل لأي شخص يتقن القطاع النووي المدني أن ينتج قنبلة ذرية. الطلب ليس باهظا، لأن إسرائيل نفسها كانت قوة ذرية منذ الستينيات (بفضل فرنسا)، وهناك بالفعل دولة مسلمة لديها القنبلة، باكستان، منذ عام 1998، بمساعدة تقنية من بكين ومساعدة مالية من الرياض. أخبرت المملكة العربية السعودية الأمريكيين أنهم إذا كانوا بطيئين في الاستجابة لطلبها بشأن التكنولوجيا النووية، فلديها دائما خيار الاقتراب من الصينيين.
إعادة انتخاب أردوغان في 28 مايو 2023، أرجعت إحياء إمكانية وجود برنامج نووي في تركيا، كما يوضح الكاتب، مشيرا إلى أن أردوغان قال في 2019: “بعض الدول لديها صواريخ برؤوس نووية، لكن لا ينبغي أن أمتلكها؟ أنا لا أقبل هذا!”.
لذلك، استؤنفت اللعبة النووية الكبرى بقوة متجددة في الشرق الأوسط. الآن فقط أدركنا كيف جاء قرار ترامب بمفرده ضد إيران بنتائج عكسية، وإن كان ذلك باسم الدفاع عن السلام والاستقرار الإقليمي، يقول رينو جيرار في ختام مقاله هذا بصحيفة “لوفيغارو”.