لعن الله الفقر!

2023-05-28

غادة السمان

قرأت خبراً روعني عن رجل وزوجته يريدان بيع طفليهما بمبلغ 150 ألف دولار! كثيرون مثلي يفضلون الموت جوعاً بدلاً من بيع طفل من أطفالهم! ولمن؟ ربما لشركة تتاجر بالأعضاء البشرية!

لو لم أطالع الخبر في صحيفة محترمة لما صدقته. هل كان من الممكن أن أبيع ابني (الدكتور حازم) حين كان طفلاً لو كنت في حاجة إلى المال؟ كنت أفضل الموت جوعاً لو كنت فقيرة ولحرصت على حياته، وهذا موقف معظم الناس. وحسناً، تم القبض على الرجل وزوجته وهما يحاولان بيع طفليهما. وأعتقد أنهما يستحقان الحرمان من طفليهما لأنهما سيكبران وسيعلمان وقتئذ بما كانا (الوالد والوالدة) يضمران لهما ذات يوم لولا منع وزارة الداخلية العراقية لهما من ذلك الفعل الشنيع! فالأطفال ليسوا بضاعة بشرية لزراعة الأعضاء للأثرياء. والخبر في مجمله يسبب الحزن في القلب!

السيد (بلال) والكنيسة!

اسمه: بلال حساني. عمره 23 سنة. وبلال اسم مؤذن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. ولكن بلال حساني الفرنسي المعاصر يرتدي ملابس النساء وعلى رأسه شعر اصطناعي أشقر طويل أحياناً أو أسود، ويظهر في البرامج التلفزيونية الفرنسية بمكياج نسائي كالرموش الاصطناعية أحمر الشفاه، وعلى هذا النحو حتى اشتهر بل وبدأ البعض يقلدونه طلباً للشهرة! فهو يقلد زينة النساء لوجوههن. وفوق ذلك كله يبدي غضبه مؤخراً لأنه كان يريد الرقص والغناء في كنيسة (سان بيير أونونير) وأنهم منعوه من ذلك وأنه (متعب!) أكرر: المروع أن بعض الرجال الفرنسيين مثله صاروا يقلدونه طلباً للشهرة، إذ لم يسبق لرجل موهوب (بلال ليس موهوباً) أن تنكر في زي امرأة من أجل الشهرة! ولكن ذلك يجلب المال! ويحار المرء هل يشعر بالإشفاق عليه أم النفور أو حتى الإعجاب به وبأسلوبه في كسب الشهرة والمال دونما موهبة فنية حقيقية.

القطة الثرية الوارثة

حين توفي المغني الشهير (في فرنسا) جوني هاليداي، ودع جنازته مليون معجب وأغلقوا يومها جادة الشانزيليزيه لتتسع المعجبين المودعين. وبعد موته، دب الشجار بين أرملته الجميلة الشابة لوتيسيا والدة ابنتين تبناهما جوني وزوجته، وبين ابنه دافيد وأخته لورا سميت حول نقود الميراث. وانتقلت القصة من المقبرة إلى المحكمة. وصار من المعروف أن على الثري أن يكتب وصيته عند المحامي وكاتب العدل. وصار بعدها النجوم الأثرياء (أمثال ألان دولون) يكتبون وصيتهم حول توزيع مالهم بعد موتهم. ويبيع النجم آلان دولون الآن اللوحات الفنية التي جمعها خلال حياته ليختار بنفسه ورثته. وكذلك فعل سواه كمصمم الأزياء الشهير كارل لاغرفيلد الذي ترك في وصيته مبلغاً كبيراً من المال لأحد عارضي أزيائه من الشبان قيل إنه كان (قريباً!) منه، ولكن التي حصلت على حصة الأسد من الميراث هي قطته الحبيبة البيضاء المدللة، وكذلك ترك مبلغاً إلى (خادمة!) القطة لتحظى براتب شهري منه مادامت تعتني بحبيبته القطة ناصعة البياض «شوبيت». الطريف أن بعض أنصاف النجوم صاروا يحرصون على التقاط صورة لهم مع القطة «شوبيت» زرقاء العينين لنشرها في المجلات الفنية طلباً لمزيد من الشهرة.. فماذا أقول ويقول القارئ غير: مياو.. مياو.. ولعن الله شهوة الشهرة ولو عن طريق قطة! فالشهرة تعني المال، ولعن الله الفقر!

سأترك ثروتي كما يحلو لي

وكما ذكرت، فالممثل الفرنسي الشهير (في فرنسا على الأقل) آلان ديلون (87 سنة) يبيع مجموعة أعمال فنية يملكها في المزاد، ليوزع ثروته قبل موته كما يحلو له، ولن يترك أولاده يتشاجرون في المحاكم كما يحدث عادة (في الغرب على الأقل). وهكذا بيعت المجموعة من الأعمال الفنية التي يملكها آلان دولون بمبلغ حوالي 50 مليون دولار!

فقد كان آلان ديلون هاوي جمع أعمال فنية راقية (وهذا من حظ أولاده الورثة!) وأعلن بكثير من الوعي في صحيفة «لوموند» أنه يكره بيع الأعمال الفنية بعد موت وارثيها. في بلادنا العربية الإسلامية، يخضع الميراث لقواعد دينية و»للذكر مثل حظ الأنثيين» وغير ذلك من قوانيننا الدينية، إلا إذا قام المحتضر بتدوين وصيته عند كاتب العدل الذي يحضرونه غالباً إلى المستشفى! (لا وصية لوارث) بل هدية خلال حياة الواهب.

ماذا تفعل حين تراهم؟

تصادف أن كنت أتسكع في باريس الجميلة، وأمرّ بساحة فاندوم حين تحول التسكع إلى مشاهدة ما يشبه جرائم السينما، وفقدت متعة التسكع، إذ شاهدت على الرصيف الثاني يوم السبت 18ـ5ـ2023 في وضح النهار دراجات نارية تتوقف أمام بائع الجواهر الشهير (بولغاري) ويهبطون منها وهم يشهرون أسلحتهم ويدخلون إلى المخزن حيث الجواهر بملايين الدولارات، ويخرجون بعد قليل إلى دراجاتهم النارية ويهربون. ولحسن حظي كنت على الرصيف الآخر، ولسوء حظي شاهدت عملية سرقة للمجوهرات في أفخم بائعي الجواهر في قلب باريس! ولأنني لست بطلة سينمائية، اكتفيت بالنظر لما يدور، وهرب السارقون على دراجاتهم بجواهر بملايين الدولارات بعدما ضربوا الحارس على رأسه وأغمي عليه، أما دراجاتهم فكانت تحمل أرقاماً زائفة.. وهذه هي المرة الثانية التي تحدث فيها سرقة بالدراجات النارية. وأكرر: لعن الله الفقر! فهل هم فقراء إلى المدى الذي يجعلهم يقومون بسرقة في وضح النهار في قلب باريس حيث الحراسة مشددة؟

لم أندم لأنني لم أفعل شيئاً غير الاستنكار النفسي الداخلي، فأنا لست من رجال الشرطة ولا حراس مخزن الجواهر.

إنني عابرة سبيل تصادف أن كنت هناك أمر بالمكان الباريسي الجميل، الذي صار بشعاً بعد السرقة.. ولعله صار جميلاً في نظر السارقين والثروة التي استولوا عليها دونما حق.. ولعلهم فقراء ولعن الله الفقر. لست خبيرة بوليسية، ولكن أظن أن الحراسة على أماكن كهذه يجب تشديدها كما وضع الكاميرات التي تصور وجوه السارقين وتسهل القبض عليهم واستعادة المسروق إذا أمكن.

ولعلهم فقراء وبلا عمل ويبحثون عن طريقة للحصول على المال، ولعن الله الفقر الذي يدفع بالبعض إلى سرقات في وضح النهار في قلب باريس في أفخم متاجر جواهرهم (بولغاري) وهذا أفضل من بيع الأولاد للحصول على المال!!

أكرر: لعن الله الفقر.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي