المخرج اليمني عمرو جمال: فيلم «المرهقون» قصة حقيقية… ونفتقر إلى الذاكرة السينمائية

2023-03-16

حوار أحمد الأغبري

استطاع المخرج السينمائي والمسرحي اليمني عمرو جمال، تحقيق نجاح فارق في سنوات قليلة، أصبح خلالها من الأسماء التي ذاع صيتها، وأصبحت حاضرة في المهرجانات الدولية. بعد النجاح الذي حققته مسرحية «هاملت» في يناير/ كانون الثاني الماضي، تم عرض فيلمه «المرهقون» ضمن بانوراما مهرجان برلين السينمائي خلال فبراير/شباط الماضي، ليكون أول فيلم يمني يُعرض ضمن بانوراما المهرجان، كما فاز الفيلم بجائزة منظمة العفو الدولية التي عادة تمنح للأفلام الأكثر تأثيرا إنسانيا من بين جميع أفلام المهرجان، كما حصل الفيلم على ثاني أعلى نسبة تصويت في جائزة الجمهور. يأتي هذا بعد سنوات قليلة جدا من عرض فيلم «عشرة أيام قبل الزفة»؛ وهو أول فيلم يمني يعرض للجمهور، وفاز بعدد من الجوائز.

يروي فيلم «المرهقون»، الذي كتب قصته المخرج مازن رفعت، معاناة عائلة يمنية تعيش ظروفا اقتصادية صعبة جراء الحرب، لكنها تفاجأ بحمل الأم.. لينزل عليهم الأمر ثقيلا تفكر معه العائلة بإجهاض الجنين، ووفق حديث مازن رفعت «فالفكرة مقتبسة من قصة حقيقية»، وحسب رفعت فان «الإجهاض هنا ليس القضية المباشرة، بقدر ما هو رمز لإجهاض حلم شعب بحياة كريمة». اقتربنا هنا مع تجربتي الفيلم والمخرج، وبالتالي تجربة اليمن مع الفنون التمثيلية عموما.. فكان هذا الحوار مع المخرج عمرو جمال عبر البريد الإلكتروني:

ما دلالة اختيار «المرهقون» اسما للفيلم؟

بالشراكة مع الكاتب مازن رفعت كتبنا الفيلم معا، ووجدنا أن توصيف «المرهقون» هو التوصيف الأقرب للمكان والأفراد في اليمن؛ ونخص بالذكر هنا عدن، التي تظهر شخصية أساسية في الفيلم، والإرهاق واضح على ملامحها… الإرهاق يظهر على كل ممثلي الفيلم وأحداثه. الإرهاق من الجري اليومي، واللهاث الذي يعاني منه الشعب من أجل حياة كريمة في حدها الأدنى. هذا الإرهاق الكبير الذي كان يوصف في ما مضى باليمن السعيد، أصبح التوصيف الأدق لهذه المعاناة… فوجدنا «المرهقون» اسم مناسب للفيلم.

كم استغرق تصوير الفيلم؟ وكيف تمت مواجهة مشكلة الإنتاج ككلفة؟

استغرق التصوير70 يوما، ونستطيع أن نقول إن الـ70 يوما هذه سببها صعوبات الإنتاج في اليمن؛ فالوضع السياسي والأمني المعقد يجعل الأمور مخيفة على صعيد السلامة؛ سلامة الطاقم، وأيضا على صعيد كلفة الإنتاج، بحكم أن الظروف هذه تجبرك أحيانا أنك توقف التصوير لفتره طويلة، فمثلا خلال أغسطس/آب 2021 حدثت مواجهات عسكرية في كريتر في عدن، ما جعل الطاقم يُحتجز داخل الفندق لأربعة أيام. قصص مثل هذه تسبب دائما ضررا في كلفه الإنتاج. أيضا تضررت كلفة الإنتاج عندما شهد سعر الريال انهيارا ما بين أغسطس ونوفمبر/تشرين الثاني 2021. عندما بدأنا التصوير كان سعر الدولار تقريبا بين 950 إلى 1000 ريال، ومن ثم ارتفع إلى 1500 ريال حينها، وهذا أيضا تسبب لنا في الكثير من المشاكل الإنتاجية، بالإضافة إلى أزمات البترول المتكررة، التي كانت تتسبب بإيقاف التصوير، وكنا لا نستطيع أن نصور إلا باستخدام المولدات التي نستأجرها. كما أن شبكة الاتصال لم تكن بالقدر الذي يسمح لنا بالاتصال بالجميع في وقت واحد؛ فتتغير المواعيد ما يؤدي لإيقاف التصوير… كل هذه التفاصيل ترسم مستوى من مستويات المعاناة؛ ما يجعلنا باستمرار نتجاوز الميزانية. كما استعنا بخبرات أجنبية في المرحلة الأولى، فكان معنا مصور من الهند، ومهندسو صوت من لبنان من أجل تطوير مستوى العمل وتدريب الطاقم المحلي من الشباب، الذين سنستفيد منهم لاحقا. من أجل أن يصبح هذا العمل جيدا خضنا تفاصيل معقدة، بما فيها إكمال الفيلم في الخارج كتلوينه ومونتاجه وطباعته وتفاصيل عديدة، وكان لا بد من أن تكون هنا مساعدة من صناديق دولية من أجل استكمال نفقات الفيلم، وحصلنا على منح من مهرجان البحر الأحمر في السعودية ومهرجان كاولو فيباري في التشيك ومهرجان مالمو للسينما العربية… كما شاركنا في الإنتاج من السودان.. هؤلاء كلهم آمنوا بمشروعنا بعد أن شاهدوا الجزء الذي قمنا بتصويره.

ما دلالة اختيار (الإجهاض) فكرة محورية للفيلم؟

قصة الفيلم حدثت أمام عيني لأسره من عدن من الطبقة المتوسطة، ومن الشباب الذين لم يتجاوز أعمارهم 40 عاما، ورأيت كيف انحدر بهم الحال بشكل كبير جدا بعد حرب 2015 من الناحية الاقتصادية، وكيف فقدوا وظائفهم، وكيف أصبح تدبير لقمة العيش الكريمة لأسرة مكونة من 5 أفراد شيئا صعبا، وبالكاد يستطيعون أن يتحركوا في إطار الميزانية الشهرية التي خصصها القدر لهم. عندما حملت زوجه الصديق الذي أعرفه بالطفل الرابع أصيب الزوجان بحالة هلع. تأسفت كثيرا عندما شاهدتهم مجبرون يفكرون بالتخلص من الجنين والتضحية به، لضمان ألا تنحدر بهم المعيشة إلى أسفل خط الفقر، وهنا بدأ بالتساؤل: كم أسرة في هذا البلد تضحي يوميا وتصل بها الظروف إلى تضحيات كبيرة؟ أيضا فكرة الإجهاض بالنسبة لي ككاتب ومخرج مرتبطة بالأدب العربي بمعنى كبير عندما يتم إجبار شخص لإنهاء حلمه عنوة أو إفساد مستقبله لسبب خارج عن إرادته. الإجهاض هو رمز لكل أحلام وطموحات الأسرة اليمنية التي أجهضت بسبب هذه الحرب.

في تقديرك.. أين تكمن خصوصية هذا الفيلم؟

بالنسبة لي تكمن أهمية هذا الفيلم في كونه وثيقة. بعيدا عن جودة الفيلم من الناحية الفنية، وهذا شيء أتركه للجمهور والنقاد، ولكن بالنسبة لي أنا متأكد من أن هذا الفيلم هو وثيقة مهمة. عندما تريد أن تعرف بلدا ما في مرحلة ما، فعليك أن تذهب لمكتبته السينمائية، وحينها سترى في الفيلم ما تريد معرفته عن الملابس واللهجات والطعام والمشروبات وأسماء الشوارع، إلخ. ليس لدينا سينما في بلدنا، ولذلك نفتقر إلى هذه الذاكرة، واعتقد أن ما قدمناه في رؤية تصوير الفيلم في اللقطات الواسعة، التي سيطرت على الفيلم، هو توثيق مهم للشوارع والمباني والتفاصيل الصغيرة، لأصوات المدينة وسحنات الشخصيات والكومبارس الذين ملأوا الكوادر.. وهنا تكمن خصوصية وجمالية الفيلم، وكنت سعيدا جدا عندما كنت أسمع في مهرجان برلين أن الفيلم كان بمثابة نافذة على عدن وعلى البلد بشكل عام.

ما هي الزاوية التي اتكأت عليها لتمييز الفيلم؟

أعتبر كل عناصر إبداع الشريط السينمائي، عناصر متكاملة، يعني لا يستطيع أن يستقيم العمل إلا في تكامل هذه العناصر، ولم يقدنا إلى تصوير مميز إلا نص مميز، ولا يتميز الاثنان دون تمثيل جيد.. كلها عناصر مهمه خدمت هذا التوجه، واعتقد في الأخير أن أهم ما في الأمر أن يكون المخرج صاحب رؤية يقنع كل المسؤولين عن هذه التفاصيل، سواء في الصوت أو في الصورة والتمثيل؛ فإذا آمنوا به وآمنوا بالخط الذي يسير فيه، فسيبدأ الجميع يعطي في هذا النسق، وانتهى الأمر بالأخير أن تكون هناك الخصوصية التي أراد لها المخرج أن تكون بمساعدة رفاقه.

كيف تلقيت خبر فوز الفيلم بجائزة منظمة العفو الدولية وغيرها؟

كنا في غاية السعادة في مهرجان برلين، في هذا المهرجان تجد كل الصناعة موجودة من كبار النجوم إلى كبار المنتجين والموزعين والصحف والمطبوعات العالمية المختصة بالفن، لهذا عندما يظهر الفيلم في هذه التظاهرة فهو يحظى بفرصته لكي يتنفس ويمضي قدما. الشيء الآخر الذي يميز مهرجان برلين هو وجوده مع جمهور متنوع كبير جدا. هذا الجمهور مثقف، وعلى درجه كبيرة من الانتقائية، حيث يعرف تماما ماذا يشاهد.. هذا الجمهور المثقف من أهم الجماهير في العالم منذ سنوات، ومن أهم الجوائز التي فزنا بها هي جائزه الجمهور بأصوات 22.4 الف كثاني أعلى تصويت أفلام بانوراما، التي شاركت فيها أفلام من كل انحاء العالم. بالنسبة للجائزة الأخرى التي تقدمها منظمه العفو الدولية، فشيء كبير جدا أن يصنف الفيلم باعتباره الأكثر تأثيرا إنسانيا من قبل لجنة تحكيم خاصة.. هذا انتصار كبير لنا.

كيف تختار أفكار أعمالك؟ هل تُعرض عليك وتختار ما تنجذب إليه؟

لا يُفرض عليّ أي عمل.. أغلب الأوقات أنا صاحب الفكرة، وحظيت بشرف التعامل مع زملاء من الكتاب، مثل زميلي مازن رفعت الذي تشاركت معه كتابة هذا العمل، ومؤخرا زميلي عمرو الإرياني، الذي كتب معي نص مسرحيه «هاملت». أذهب إليهم بالفكرة، ونتناقش معا، ويبدؤون في المشاركة في الكتابة. كيف اختار ما يجذبني؟ انتظر الفكرة حتى تزورني وتطرق الباب. أعمالي في معظمها اجتماعيه تعكس أوضاع المجتمع المحيط.

من مسرحية «معك نازل» وصولا لفيلم «عشرة أيام قبل الزفة» ومسرحية «هاملت» وفيلم «المرهقون»… إلام تعزو نجاح هذه الأعمال وحضورها العالمي؟

اعتقد أن السبب الرئيسي هو حظوظي بطاقم من قبل 2005، منذ كنا طلابا في المدرسة، ومن هذه الرحلة استقبلت هذه القافلة من الزملاء، كما استقبلت أيضا مجموعه من الأصدقاء الذين انضموا للقافلة، هذه على مدار السنوات ابتداء من المسرح المدرسي وانتهاء بـ»هاملت» و»المرهقون». ما يميز كل من انضم لقافلتنا وأنا فخور إنني أحد السائرين فيها، أننا نتقاسم المحبة والاحترام والتقدير، والأهم هو الصدق مع الفن الذي نقدمه.. نحن مخلصون لفكرة الفن، وهذا عكس نفسه على النتيجة.

وكيف استطعت تحقيق هذا النجاح في ظروف غير طبيعية يمرّ بها بلدك؟

كما قلت الإخلاص والحب والشغف بالفن، أعشق الفن منذ نعومة أظفاري، وقول إني بدأت في الفن، وحققت النجاح الكبير الذي حققته مسرحي «معك نازل»، قبل تفجر وسائل التواصل الاجتماعي، حتى قبل أن يصبح هناك أي شكل من أشكال الرياء الفني. هناك الكثيرون ممن أصبحوا يحبون أن يكونوا في الساحة الفنية من أجل اللايكات والمتابعين وهذه التفاصيل، حتى تحس أحيانا أن الفنانين غير صادقين في حبهم. لا أقصد الجميع. أنا سعيد وفخور بأني أنا وزملائي في أن «معك نازل» حققنا النجاح الكبير قبل كل هذه القوة، ما يثبت أن النجاحات الأولى التي حققناها كانت فقط قائمة على حب الفن، وحب أن نقدم عرضا على خشبة المسرح، وأن يحضر الناس ويشاهدوها. بكل قوتنا نحاول أن نواجه هذه الظروف من أجل أن نعيش، ومن أجل أن نواجه هذه المسؤولية… وهو أن نقدم للناس هذا الفن، وهم يثقون بنا، ونحن مستمرون من أجل أنفسنا، ومن أجلهم أيضا.

لو حاولنا ترتيب عوامل نجاح العمل الفني التمثيلي هل نبدأ بالمخرج؟

اعتقد أنه شغل جماعي، لكن المخرج هو ربان السفينة. هذا لا يقلل من جهد كل العاملين في السفينة، والذين لولا جهودهم لما استمرت السفينة بالاتجاه الصحيح، ووصلت إلى بر الأمان، لكن سوف نكون واقعيين ونقول إن المخرج صاحب الرؤية، هو من ينتقي النص، والفكرة، هو من يقنع من حوله من أجل أن يحقق هذه الرؤية.. المخرج هو الأساس في العمل الفني.

ماذا عن علاقتك بالدراما التلفزيونية.. هل سنلمس نجاحا مماثلا في مجالها قريبا؟

أنا لا أحب التلفزيون، وعندي لقاءات منذ 2010، وكنت أقول دائما إن التلفزيون كان فرصتنا الأولى للتدرب على الكاميرا والصوت، لكن لا يعني هذا أنني لم أكن سعيدا أبدا في فتره عملي في التلفزيون.. لكن كنت مجرد ضيف عابر. أنا عاشق للمسرح والسينما ومخلص لهما، والتلفزيون له أبطاله وله ناسه المبدعون، ولكن لا أعتقد أنني اعتبر نفسي منهم. أنا أحب أن أبقى فقط سينمائيا ومسرحيا، وممكن أن أزور التلفزيون يوما في حال وجدت شيئا ما يثير اهتمامي، لكنني لا أحب هذا المجال للأسف الشديد!

من خلال تجربتك.. ما هي مشكلة الفنون التمثيلية في اليمن خاصة الدراما التلفزيونية؟

النمطية والاستسهال، وأيضا هناك نوع من التلفزيون المحلي أضر بالذائقة الجماهيرية نوعا ما، وأضر بالممثلين قليلا، حيث أن إنجاز الأعمال التلفزيونية يكون في أوقات ضيقة للغاية، وتصويرها يتم حتى آخر لحظة في شهر رمضان.. هذا لا يمنح الممثلين فرصة؛ لأنهم والمخرجين لا يقومون بدراسة الشخصيات وتحليلها وإنجاز كتابه أفضل من أجل أن يخرج العمل بصوره جيدة. الكتابة تكون بسرعة كبيرة جدا، ولا تتم مراجعتها. الممثلون يمثلون مباشرة، أحيانا الحلقات توزع لهم في لحظتها، والمونتاج يتم أحيانا قبل ساعات قليلة من العرض. تمثيل نمطي ولا يوجد فيه عمق في الإبداع مع إغراق العمل بالكوميديا، التي انتهت موضتها منذ سنوات طويلة، ولأن الجمهور لا يجد أمامه غير ما يُقدم فيتابع المتاح، وبالتالي يحقق العمل مشاهدات تجعل القنوات تستسهل وتعيد إنتاج العمل في الآلية نفسها، ما أضر بالممثل المحلي، وبالمنتج المحلي.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي