«ليزا فتاة لامبيث»… أولى روايات سومرست موم الواقعية

2023-03-04

رند علي

في ميلاده التسعين كتب: لقد جف قلمي وسأكتفي بالقراءة.‏ الروائي الإنكليزي الأشهر في القرن العشرين، والأكثر ربحاً في ثلاثينيات القرن المنصرم، سومرست موم صاحب المسيرة الإبداعية، حيث تنوعت أعماله ما بين الرواية والمسرحية والقصة والكتب السياسية.

ولدَ وليم سومرست موم (25 يناير/كانون الثاني 1874 – 16 ديسمبر/كانون الأول 1965) في باريس من أبوين إنكليزيين، وكان يتحدث الفرنسية باعتبارها لغته الأم، ولم يجد لغة بلده إلا بعد سنين عديدة، درس الطب وكتب أول رواية له وهي «ليزا فتاة لامبيث» الصادرة عن دار آفاق، ترجمة سامح الجباس. عندما كان طبيباً متدرباً في أحد مستشفيات لندن، عرف سومرست موم بتبنيه للاتجاه الواقعي في الكتابة، وهذا ما نلمسه في هذه الرواية التي تم نشرها عام 1897.

شخصيات حقيقية

من قراءة السطور الأولى للرواية يشعر القارئ بروح الحياة في حي لامبيث مسرح الأحداث في الرواية، وهو أحد الأحياء الفقيرة في لندن. وهناك معلومات تؤكد أن «صاحب القمر وستة بنسات» عمل طبيباً في أحد المستشفيات القريبة من هذا الحي، فهل كانت شخصية ليزا شخصية حقيقية ممن صادفهم موم أثناء عمله طبيبا؟ بدايةً يصور لنا الكاتب ليزا على أنها شخصية قوية وطموحة ورافضة لحياة الفقر التي تعيشها ووالدتها في هذا المكان البائس، حيث الناس هناك يكثرون من شرب المشروبات الروحية ليتناسوا بؤسهم. «وبدت ليزا في رقصها تفوقهم جميعاً، وإذا كانت الأخريات يبدين كملكات فخمات، فإن ليزا تبدو إمبراطورة أفخم. إن الجاذبية والكرامة التي كانت ترقص بها الفالس كانت شيئاً رائعاً، وكأنها ملكة منتخبة للجمال والمرح». لكن سرعان ما تتهاوى هذه الصورة عندما تقع فتاة لامبيث في حب جيم الذي يكبرها سناً متزوج ولديه 5 أولاد، فما الذي دفعَها لمثل هذا الحب غير احتياجها الى الإحساس بوجود بديل الأب، فعوضَها عن هذا الفقد.

قسم موم الرواية إلى عدة فصول وطريقة السرد كانت مقسمة بين الراوي العليم العارف بكل شيء، وشخوص الرواية والحوارات القائمة بينهم، ومن المعروف أن موم الذي تربى في باريس وعشق الحياة فيها والسفر بين البلدان، كانَ ناقداً لاذعاً لمجتمع المملكة المتحدة، بينما يزداد انبهارنا بكل الصور التي تصف لنا حياة المجتمع الفكتوري في لندن، يصف لنا موم بواقعيته حقيقة أحياء لندن الفقيرة في ذلك الزمن، حيث الإهمال والجوع وغياب الوعي وانجاب عدد كبير من الأطفال، بالإضافة إلى الوفيات المتزايدة بينهم بسبب الأمراض والعوز، أكثر من مشكلة طرحها الكاتب في هذه المخطوطة أهمها واقع البسطاء في تلك الفترة، وتأثير الكحول على عقل الإنسان من خلال قصة الحب التي جمعت بين صديقة ليزا سالي وزوجها الذي أفقده إدمانه السيطرة على نفسه، فيبدأ بضرب زوجته وتعنيفها وصولاً الى الحدث الأهم في الرواية هو العشق الممنوع بين ليزا وجيم، هذا العشق الذي كان مرفوضاً من قبل كل سكان حي لامبيث المتعاطفين مع زوجة جيم، مع ضعف إرادة الأخير وأنانية الأم مسز كيمب، وفي هذه الشخصية ما يثير القارئ، خصوصاً في المشاهد الأخيرة للرواية فيخيل لنا أن موم سمع هذا الحديث البارد عن الموت بين إحدى الأمهات وجارتها واقعياً عندما كان طبيباً، وصور لنا على الورق صورة الأم التي تناقش أمر التأمين والدفن، بينما ابنتها ما تزال تحتضر.

من كان السبب الحقيقي في وفاة ليزا ظروف عشيقها وفقدانها لطفلها، أم تعنيف زوجته السبب الحقيقي في موتها، هي ليزا نفسها عندما وهبت حياتها لرجل عاجز عن التضحية في سبيل هذا الحب، لتموت فاتنة هذا الحي الفقير، تاركة حب عمرها يعود الى زوجته وحياته، وأما جشعة تعدُ نقود التأمين بعد وفاة ابنتها فينطفأ مصباح فتاة لامبيث ويحل شبح الموت وسكونه في هذا الشارع العتيق.

كاتبة عراقية








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي