الكتاب الأسرع مبيعا في العالم.. «سبير»: لماذا خرق الأمير هاري خصوصية العائلة الحاكمة؟

2023-03-01

مولود بن زادي

الخصوصية من أبرز انشغالات العائلة المالكة البريطانية، ومن المبادئ التي يُربّى عليها أطفالها، وهو ما يؤكده الأمير هاري في كتابه الجديد «سبير» المؤلَّف من 416 صفحة، الصادر عن دار النشر «بينغوين راندام هاوس» حيث يقول، «بصفتك أحد أفراد العائلة المالكة، فإنك تُعلَّم دائما الاحتفاظ بمنطقة عازلة بينك وبين بقية البشر.. فالمسافة تعني الصواب، والأمان، والبقاء، وهي جزء أساسي من طبيعتك الملكية». لكن بنشره مذكراته الصادمة في كتاب يعدّ الأسرع مبيعا في العالم (1.43 مليون نسخة في أول يوم) يبدو أنّ الأمير اختار التخلي عن هذه المسافة والتعدي على خصوصية عائلته.

تأثر بوفاة جده

يستهل هاري مذكراته بالتحديث عن جده الراحل الأمير فيليب، وما كان له من تأثير إيجابي في حياته، «قال البعض إنه توسَّط في زواج والديّ. فإذا كان الأمر كذلك، يحقُّ لي أن أقول إنّ جدّي سبب رئيس في وجودي. فلولاه لما كنتُ، ولما كان أخي الأكبر». رحل جده لكنّ كلماته ظلت حية تتردد في مخيلته، «تذكرتُ محادثة واحدة جمعتني وجدي مؤخرا، بعد بلوغه السابعة والتسعين بوقت وجيز. كان وقتئذ يفكر في النهاية. قال إنه لم يعد قادرا على مزاولة الأشياء التي كانت تثير شغفه. ومع كل ذلك، لم يكن يفتقد شيئا قدر افتقاده العمل، قال: كل شيء ينهار من غير عمل. عليك أن تعرف متى يحين وقت الرحيل يا هاري. لم يكن يبدو حزينا وإنما جاهزا لموعد الرحيل».

امرأة غير عادية

في أغسطس/آب 1997 عندما رحلت الأميرة ديانا في حادث سيارة في أحد أنفاق العاصمة الفرنسية باريس، لم يكن هاري آنذاك يتجاوز 12 عاما، ومع ذلك تأثر بوفاتها تأثرا شديدا. فصار يصرف حزنه عن باله بالسعي لإقناع نفسه بأنّ والدته لم تمت، وإنما ادعت أنها توفت لتتوارى عن أنظار عالم لم يرحمها. فهو ما انفك يذكرها ويفتقدها ويتألم لرحيلها كل يوم. ويتذكر والدته ويحن إليها حتى إذا انشغل العالم من حوله عنها ونسي ما قدمته من خدمات في سبيل الإنسانية، «ينسى الناس كم اجتهدت والدتي لأجل السلام. لقد جالت الدنيا غير مرة، عابرة حقول الألغام، محتضنة مرضى الإيدز، مواسية أيتام الحرب، مجتهدة دوما لإحلال السلام». الأميرة ديانا، في عالم هاري، ليست ككل النساء. إنها امرأة بعيدة عن كل وصف حسي. يقول عنها، «كان الناس يقارنونها بشكل روتيني بالأيقونات والقديسين، من نيلسون مانديلا إلى الأم تيريزا إلى جوان دارك. وإن كانت كل هذه المقارنات رفيعة وحميدة إلا أنها تبدو بعيدة عن الواقع. فوالدتي – المرأة الأكثر شهرة على سطح كوكبنا، وواحدة من أكثر النساء المحبوبات في عالمنا – غير قابلة للوصف. فكيف لمن تعجز الألفاظ عن وصفه أن يظلّ حيا حاضرا بجلاء وعظمة في وجداني؟ وأنَّى لصورتها أن ترتسم بجلاء أمام نظري، كالبجعة المتجهة نحوي في تلك البحيرة النيلية؟ وأنَّى لضحكتها أن تتردد عالية كالطيور المغرّدة في الأشجار العارية؟».

الوريث البديل

بعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية، واعتلاء الملك تشارلز الثالث العرش، صار ابنه الأكبر الأمير وليم وريثه الظاهر. فشعر هاري بالأسى وهو يلعب دور الوريث الاحتياطي في مسلسل الخلافة البريطانية، كان يشعر كما لو كان على الهامش، «كنتُ الظلّ، والدعم ، والخطة (باء). تم إنجابي لأكون خلفا لوليم في حالة إصابته بمكروه. تم استدعائي لتقديم الدعم والإلهاء والتسلية، وإذا اقتضى الأمر ذلك، لأكون قطعة غيار، أو ربما لأكون كِلية أو عملية نقل دم أو بقعة من نخاع العظام. شُرح لي كلُّ ذلك شرحا دقيقا منذ بداية مشوار حياتي».

ويضيف هاري، «كنتُ في العشرين من عمري المرة الأولى التي سمعت فيها ما ربما قاله والدي لأمي في يوم مولدي: «رائع! لقد وهبني الآن وريثا وخلفا احتياطيا ـ فقد أنهيت مهمتي الآن». يحتمل أن يكون ذلك مزحا. لكن، بعد دقائق من عرض هذا المشهد الكوميدي للغاية، قيل إنّ والدي ذهب للقاء صديقته. فكم من كلمة صدق قيلت في مزاح».

صدمات طفولة متعددة

كانت أكبر صدمة في حياة هاري فقدان والدته وحرمانه من حبها وحنانها. يضاف إلى ذلك شعوره بالحرمان من عطف والده البعيد عنه. يقول هاري إنه كان يدعوه «الفتى المحبوب» لكن لم يكن يعانقه أبدا. وما زاد الوضع بينه وبين والده تأزما انتشار شائعات من أن الملك تشارلز قد لا يكون والده الحقيقي. نراه يشير إلى حديث والده معه، «من يدري إذا كنتُ حقا أمير ويلز؟ من يدري إذا كنت حتى والدك الحقيقي؟ لعل والدك الحقيقي في برودمور، أيها الفتى العزيز!» ويضيف هاري في كتابه، «وإذا به يضحك ويستغرق في الضحك وإن كانت المزحة في الواقع لا تثير الضحك، بالنظر إلى الشائعات التي انتشرت آنذاك بأن والدي الحقيقي كان أحد عشاق أمي السابقين: الرائد جيمس هيويت. كان من أسباب هذه الشائعات أنّ شعر الميجور هيويت أصهب اللون… لقد سُرّ قراء الصحف الشعبية بخبر أنّ الطفل الأصغر للأمير تشارلز لم يكن في الواقع من أبنائه الحقيقيين».

ومن صدمات الطفولة تعلق والده بكاميلا ثم زواجه منها وهاري من المعترضين، «ويلي وأنا وعدنا والدنا بالترحيب بكاميلا في كنف الأسرة. ولم نطالبه إلاَّ بشيء واحد في المقابل وهو عدم الزواج منها. توسلنا مرددين «لست بحاجة إلى الزواج مرة أخرى. من شأن الزفاف أن يسبب جدلا. من شأنه أن يحرض الصحافة. سيجعل البلد بأكمله، العالم بأسره، يتحدث عن أمي، ويقارنها بكاميلا، ولا أحد يريد ذلك!» لم تكن كاميلا منافسة لأمه حسب، بل أيضا ممثلة تطمح في حمل التاج، «شرعت في لعبة طويلة، في حملة تهدف إلى الزواج وفي النهاية بلوغ التاج».

تجربة أفغانستان

ترحل بنا المذكرات إلى أفغانستان حيث يروي لنا هاري تجربته بعد التحاقه بالقوات البريطانية. «في تلك اللحظة، كان لدى بريطانيا سبعة آلاف جندي في أفغانستان، منهمكين كل يوم في بعض أشرس المعارك منذ الحرب العالمية الثانية». لم تكن ملاحقة مقاتلي طالبان آنذاك يسيرة. «كانت التضاريس وعرة وبعيدة للغاية، والجبال والصحارى مليئة بالأنفاق والكهوف – فكانت المطاردة أشبه بصيد الماعز أو مطاردة أشباح. لا بد من نظرة شاملة». وفي إحدى عمليات المطاردة هذه، يعترف الأمير بقتله 25 رجلا. يبدو أنّ الجماهير العربية والإسلامية قد بالغت في ردها على ذلك. فالأمير فعل ذلك ضمن واجباته العسكرية، وهو عضو في القوات البريطانية المنتشرة في أفغانستان دعما لقوة المساعدة الأمنية الدولية التي يقودها الناتو والمصرح بها من الأمم المتحدة.

يقول هاري، «ها قد صرت جنديا بريطانيا في ساحة المعركة أخيرا. إنّه الدور الذي كنت أستعد له طوال حياتي» ويؤكد هاري عدم استهدافه مدنيين في قوله، «كنت أطلق النار على طالبان وعلى طالبان فقط، ولم يكن ثمة مدنيون في الجوار». ولعل أبسط دليل على حرص الحلفاء على تجنب المدنيين تجربة أحد الرعاة الأفغان الذي وقع بين أيديهم في أحد الاشتباكات، يرويها لنا هاري في كتابه، «بعد أن استجوب الأمريكيون الراعي وضمدوه وأطلقوه، جاء إلينا. صُدم الرجل لما أدرك أننا استعدنا دراجته النارية. وكانت صدمته أكبر حينما أدرك أننا قمنا بتنظيفها. وكاد يغمى عليه عندما أعدناها إليه». هاري لم يطلق النار على مدنيين وإنما على مقاتلي طالبان الذين كانوا يهاجمون البريطانيين. وطالبان معروفون بانتهاكات حقوق الإنسان في تعاملهم مع المسؤولين الحكوميين السابقين والقوات المسلحة، ومتورطون في عمليات قتل المعتقلين دون محاكمة، فضلا عن التعذيب وسوء المعاملة وحرمان المرأة من أبسط حقوقها. جدير بالذكر أيضا أنّ حرب أفغانستان كانت مكلفة للبريطانيين الذين فقدوا 454 عسكريا ومدنيا في الفترة الممتدة من أكتوبر/تشرين الأول 2001 إلى 30 أغسطس/آب 2021.

نقد لاذع بأسلوب أنيق

لقد تضمّنت «مذكرات سبير» تفاصيل كثيرة تمتد عبر حقبة طويلة، منذ وفاة والدته حتى وفاة الملكة إليزابيث في سبتمبر/أيلول 2022. تناول فيها الأمير علاقته الباردة مع والده، والمضطربة مع شقيقه، وتجربته العسكرية في أفغانستان وأثر رحيل والدته في نفسه، وكابوس الصحف الشعبية التي لم ترحمه حتى وهو صبي. قال عنها، «لم أكن إنسانا بالنسبة لهم. لم أكن صبيا في الرابعة عشرة من عمري في مقتبل عمري. كنت شخصية كرتونية، دمية يتم التلاعب بها والسخرية منها بحثا عن المتعة. فماذا لو زادت تلك المتعة أيامي الصعبة عسرا، وجعلتني أضحوكة أمام زملائي في المدرسة والعالم الأوسع؟».

في كل ما تحمله من تفاصيل خاصة عن حياته وأسرته، مذكرات سبير خرقٌ لخصوصية العائلة المالكة الحريصة على صيانة أسرارها وسمعتها. وإذا كان الأمير هاري قد اختار انتقاد عائلته المالكة، فلا شك أنه أفلح في عرض قصته بتفصيل وبأسلوب جميل لا يخلو من الصور البيانية على منوال تشبيهه شعره الأحمر «بالعشب النامي في المستنقعات» أو تشبيهه بالأهرامات والبراكين، «ولما فرغ الحلاق من عمله، نظرت إلى الأسفل وإذا بي أشاهد عشرات أهرامات الزنجبيل على الأرض أشبه بالبراكين الحمراء التي نشاهدها من طائرة. حينئذ أدركت أنني قد ارتكبت خطأ أسطوريا».

‏كاتب جزائري








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي