أولئك الذين يلوّحون لنا على الشاطئ

2023-02-18

فراس سليمان

ماذا سيفعل الأخ بكُلّ هذا البكاء؟

لم يكُنْ للأب أكثر من ثلاث بدلات

واحدة سوداء واثنتان بنّيتان

بقيتْ تقريباً جديدة

فكم مرّة يمكن لنجّارٍ طيّبٍ أن يرتديَ بدلة!

ثمّ...

كان من السهل التبرُّع بها لأيِّ أحدٍ بعد موته.

...

...

الآن

الأخت تسأل وهي تشهَق باكيةً

ماذا سنفعل ببدلة أسنان أمّنا؟

لم يخطر له أبداً أن يُواجه سؤالاً كهذا

لم يفهم لماذا قال: سأحتفظ بها.

...

...

أيّ ألمٍ أن تُطقطق أسنانَ أُمٍّ ميّتة في قصيدة.                                                                                                       

■ ■ ■

طقس بدائي/ قربان

يتحلّقون حول صورة للنار

وكي يحسُّوا بالدفء أكثر

يضعُ أحدهم مؤثّراً صوتياً

لفرقعة الحطب مشتعلاً

وكبيرهم يُطلق صرخاتٍ على هيئة أعواد يابسة

وآخر وهو يفركُ كفّيه يقولُ

إنّها كنارِ جهنّم لا تُطفأ

وكي تكتمل هذه المهزلة الصغيرة

يتقدّم طفلٌ يُشبه قرينَهُ

الذي صرخ في تلك الحكاية "إنّ المَلِكَ عارٍ"

لكنْ سرعانَ ما يحمله الجميع

يرمونه في صورة النار أو في نار الصورة.

■ ■ ■

لاجئون

ليسوا أهلنا

فنحن تركناهم خلفنا

إذن

مَنْ أولئك الذين يلوّحون لنا على الشاطئ

ويصفّقون لنجاتنا؟

إنّهم

بعض عجائز وأطفال

من شدّة ضجرهم

يتسلّون في لعبة (سيصلون/ لن يصلوا)

على نقيض بقية سكّان جزيرتهم الصغيرة

مَنْ لا يريدون لحياتهم أن تضطرب

بسببنا

نحن الذين وضعنا كلَّ ما نملك (حيواتنا الثقيلة)

في قوارب تُشبه التوابيت.

■ ■ ■

خريف مقلوب

كان يسترق السمع.

قالت لصديقتها: لقد فعلتُ كلّ شيءٍ لأجله

بينما هو فعلَ كلّ شيء لأجل واحدة غيري.

...

...

كان يودّ أن ينهض ليقولَ شيئاً

لكنه خشيَ أن يُساء فهمه.

غادرَ المقهى.

...

...

في غرفته

أعاد تمثيل المشهد عشرات المرّات

كلّ مشهد بقفلة مختلفة

أخيراً أنهى تخيُّلاته.

...

...

الصَّبيَّة تقول لصديقتها: لو تعلمين كم يحبني!

بل أكثر كم أحبّه، وكم متلهّفة أنا لقدوم الربيع!

فكما تعرفين

ليس من دكان لبيع الزهور

في هذه المدينة الصغيرة... الفقيرة.

■ ■ ■

صلواتٌ ربما لن تصل

لم تعودي كما كنتِ

لقد أفسدتكِ الشهرةُ.

لا يعرف أحد من متابعيك على هذا الخراء

الذي يسموّنه وسائل اتصال

أنك تعاملين أمّك بهذا السوء

...

...

لا يظنن أحد أن الابنة أغلقت حسابها

أو غيّرت تعاملها مع أُمها

...

...

نقلاً عن أحد الخبراء

الحقيقيّ مزيَّف

المزيَّف حقيقيّ

...

...

دعك مما يقولون

ولنتذكّر أن هناك ملايين من الفقراء المُعدَمين

وسائل اتصالهم الوحيدة هي صلواتهم.

■ ■ ■

مرايا

أراد أن يقلّد بشراً بدائيّين

يجهلون كيف هي ملامحهم

أراد أن يكون شخصاً آخر

أرادَ

أرادَ

أرادَ

أن يكون نفسه

أراد أن ينسى

ينسى

ينسى

كسّر كلّ المرايا في بيته

ثم شعر ببرد شديد.

شاعر سوري مقيم في نيويورك








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي