الباحث العراقي خزعل الماجدي: إنتشار النزعات الروحانية سيجعل الأديان أكثر سلاماً

2022-08-12

حاوره: عبدالله الحيمر

بروح الباحث يواصل الأكاديمي والشاعر العراقي خزعل الماجدي الحفر الأركيولوجي المعرفي والتوغل في عمق التاريخ بهدف إبرازه وإعادة إحيائه وتقديمه بالصورة التي تليق به، ويُطل علينا دائما بأبحاثه العلمية المبنية على النقد والتفكيك البرهاني في كل كتبه الفكرية. وبروح المثقف يناقش قضايا العقل العربي وعلاقته بالحداثة والتنوير. ويأتي هذا الحوار معه بمناسبة صدور الطبعة الثانية من كتابه المائة في سلسلة مؤلفاته، والمعنون بـ «حضارات ما قبل التاريخ».

بداية .. لماذا لم تستطع الأسطورة منافسة التاريخ الحقيقي للإنسان؟

تدوين التاريخ بدأ بالأسطورة، حتى أن مرسيا إلياد كان يعرّف الأسطورة بأنها (تاريخ مقدس) وكان ذلك في العصور القديمة بشكل خاص، وحين حلت العصور، بل لأن طبيعتها أساساً كانت قائمة على جمع الواقع والخيال في سبيكة واحدة، وكان هذا من طبيعة الأمور في بداية الوعي البشري، أما حين صار تدوين التاريخ علماً فلا بد لها من أن تكون خارجه.

تقول في كتابك «السحر والدين ما قبل التاريخ» إن السحر استغرق حوالي مليون سنة والدين حوالي عشرة آلاف سنة، لمَا كان هذه العبور مهما في الدين عند صياغة المقدس؟

السحر قوانين فكرية مقلوبة، المقدمات فيها لا تؤدي إلى النتائج بطريقة صحيحة، كلّ هذا بسبب الخيال أيضاً والعجز عن إدراك حقيقة الأحداث، ولهذا كان التطور بطيئاً واستغرق مليون سنة دون جدوى واضحة، فقد أنتج الفن فقط، أما العبور للدين وممارسته، فقد كان له فضل إيقاف السحر وهيمنته على العقل البشري، لكن الخطأ فيه أنه أحال المقدمات إلى عالم غيبي تقوده الآلهة، وهكذا صرنا نرى النتائج على الأرض بطريقة مشوشة أيضاً. العلم هو الذي صحح المعادلات الخاطئة في السحر والدين، ووضع الإنسان على الطريق الصحيح حين ربط المقدمات بالنتائج، بطريقة صحيحة، عن طريق التجربة والاختبار.

كتابك «علم الأديان» يشرح فكرة الأديان، إلى متى يستمر التردد أمام هذا العلم على مستوى البحث الأكاديمي؟

لأن التطرف الديني لا يريد أن تتعرض النصوص الدينية للتحليل العلمي، هناك خوف من كشف المستور، ومن تحليل الأحداث، هناك خوف من عدم مطابقة النصوص والأحداث مع الآثار المكتشفة في هذا المجال. علم الأديان مرّ على جميع الأديان بحيادية وتحليل علمي وتوصل إلى نتائج مذهلة.

كتبت في البحث التاريخي في ما يخص كتاب التوراة وعلاقته بتراث وادي الرافدين، من أين جاءت هذه النظرة الدونية لحضارات أعرق منها، وكتابة سردية مزيفة لكل ما هو حضاري وثقافي شرقي؟

جاءت من قضيتين: الأولى هي التوحيد والاستئثار بالله وجعله إلها خاصاً يرعى أتباعه الموحدين من الأديان الإبراهيمية الثلاثة، واعتبار هذا الأمر المقدّس سبباً كافياً لتكفير واحتقار الحضارات السابقة والمعاصرة لها، ووصم أهلها وملوكها بالشرك والفساد. أما القضية الثانية فهي اعتقادهم أن تداول الكتب المقدسة (التوراة، الإنجيل، القرآن) عبر العصور سيعمل على تهميش ونسيان هذه الحضارات العريقة، وجعلها مدفونة تحت التراب إلى الأبد، على اعتبار أن الكلمة والكتابة أبقى حين يكون لها تداول مستمر. وهذا ما حصل، لكنهم لم يتوقعوا أنه سيأتي عصر يظهر فيه علم الآثار ويعيد كتابة التاريخ العظيم لتلك الحضارات التي شتموها.

في كتابك «معتقدات كنعانية» تعرضت لهذه المعتقدات وتراثها الروحي. بنظرك لماذا هناك غياب لأبحاثٍ في المجال التاريخي تفنّد زيف السردية الصهيونية؟

علماء الآثار الغربيون كتبوا أبحاثاً ومؤلفات كثيرة في تفنيد الرواية التوراتية والصهيونية، المشكلة عندنا، لأن الكثير من باحثينا يخلط البحث العلمي بمعتقده الديني، فيفقد مصداقيته، حيث ترى باحثاً علمياً يتحدث عن الآثار التي تفنّد هذه الرواية، لكنه سرعان ما يذكر أنبياء بني إسرائيل الذي هم شخصيات دينية وليست تاريخية، وهذا ما يجب أن نتصدى له. كما أن الاعتماد على ما يعرف بعلم الآثار التوراتي (وهو علم مزيف وكاذب) يتسرب لبعض الباحثين بقصد أو دون قصد.

كيف تقيّم فكرة الخلود بين الحضارتين العراقية والمصرية القديمة، في ظل اكتشاف النصوص الخاصة بهذا الموضوع، لتفسير فكرة الغياب والموت؟

اختلف موضوع الخلود قبل الموت والبحث عنه في تراث وادي الرافدين، وبعد الموت والاستسلام له في حياة الآخرة في تراث وادى النيل. فالخلود قبل الموت كان هاجسا ملحّاًعند العراقيين القدماء، لكنهم اعترفوا بعجزهم شبه الكامل عن الحصول عليه، ولذلك اخترعوا بدائل جزئية عنه كالمعرفة والتكاثر والاسم والشفاء، إلخ. أما المصريون القدماء فلم يبحثوا عن الخلود في الحياة لأنهم كانوا يؤمنون بأن الإنسان خالدٌ أصلاً، وأن وهلة الموت ما هي إلاّ حاجز شفاف للانتقال من الحياة الأولى إلى الحياة الأبدية، ولذلك حنّطوا أجسادهم واخترعوا السيناريوهات التي تؤدى بالصالح إلى جنات أوزيريس وبالطالح إلى نيرانِ وأفاعى الدوات. والحقيقة أن طريقة النظر إلى الحياة والموت والخلود مختلفة تماماً في الحضارتين الرافدية والنيلية. ففي مصر لا بد من الموت لكي يكون الخلود بعده في الآخرة، أما في العراق فليس هناك خلود في الآخرة نهائياً، فقد أعطى التراث الرافدي حلولاً أخرى للخلود أثناء الحياة، وهي الحلول الواقعية التي يعمل بها الإنسان المعاصر لكي يضمن خلوداً ما، فحلّ التكاثر وهو حلّ شعبي يمارسه الناس غريزياً لبقاء الذرية والنسل وحفظ النوع البشري، وكذلك الاسم، أما العمل الصالح فهو حلّ يسعى إليه الناس القادرون على تقديم عمل نافعٍ ومفيدٍ يُذكرون به. وحلّ المعرفة هو حلٌّ خاصٌّ تسعى إليه نخبة من الناس العلماء والحكماء والمتبصرين لتقدّم إلى الإنسان ما عجز عنه عن العمل والتكاثر.

ما بين الديانات الإبراهيمية والديانات القديمة، كمؤرخ وباحث في علم الأديان كيف ترى هذه التجربة الإنسانية؟

كانت الديانات القديمة قبل التوحيد تتمتع بالكثير من التسامح الديني في ما بينها، فقد كانت قومية الطابع، بمعنى أن لكلّ شعبٍ آلهته الخاصة وديانته الخاصة، وكان الاحترام هو أساس العلاقة بين الأديان، ولا يوجد تبشير بينها ولا حيازة مطلقة للإله الأكبر، ولذلك لم تنشأ حروب دينية في تلك الأزمان. بينما شهدنا مع الأديان احتكاراً لله من ناحية وكان التبشير والدعوة لغة الدينين المسيحي والإسلامي، ونتج عن ذلك كراهية وحروب قاسية شهده تاريخ العلاقة بينهما، بل ونتج عنها تكفير وتضاد وعدم اعتراف مازالت آثاره قائمة إلى يومنا هذا. ورغم أن هناك ما يقرب من عشرين ديناً اليوم بأعداد مليونية من المؤمنين في كل دين، لكن هناك أديانا ترى في غيرها الضلال والشرك.. وهكذا، ولذلك لا بد من نهاية هذا المأزق بالكفّ عن مثل هذه الأمور، خصوصاً أن الأديان كلّها اليوم، على محكّ الفحص والنقد والتحليل، وقد تصبح عرضة للهجر إذا استمرت لغة الاحتراب بينها.

ما الفارق بين العقل العربي والأوروبي معرفيا وعلميا؟

لا شك في أن العقل العربي عقل تقليدي يميل إلى السلفية والمحافظة، وهو قليل الابتكار يميل للدفاع عن نفسه بالعزلة والانغلاق. أما العقل الغربي فهو عقل مبتكر وخلاّق وشجاع ويميل للتقدم والابتكار. لكن لا بد من أن أقول بأن سبب ذلك هو سبب ثقافي وليس بيولوجيا أو عرقيا، فالعربي الذي يذهب للغرب يعيش هو أو أبناؤه أو أحفاده بطريقة تماثل ما عليه الغربيّ من ناحية العقل وحيويته، لذلك لا بد من مراجعة حضارية وثقافية شاملة في هذا الموضوع.

وكيف ترى مستقبل الأديان في أوروبا أوالعالم العربي؟

في الغرب عموماً أصبح الكثير من المجتمعات لا دينية، أو بتحديث الأديان وممارساتها في اتجاهات جديدة، وبدأت بوادر النزعات الروحانية بالانتشار، كبديل عن الأديان المعروفة. أما في الشرق فالأمر مختلف، فهناك تشبث بالأصول الدينية، وممارستها، لكن هذا لن يدوم وستصبح الأديان أكثر سلاماً في المستقبل.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي