الكاتبة التونسية شادية قاسمي: نحتاج أبطالا حقيقيين يغيرون الواقع للأفضل

2022-08-11

حوار: محمد القذافي مسعود

بدأت الكاتبة شادية قاسمي شاعرة، وقد أصدرت ديوانها الأول في 2014 بعنوان «تراتيل» ثم اتجهت للرواية، فكانت روايتها المعنونة بـ«المصب» عام 2016، وقد فازت عنها بالجائزة التقديرية لمهرجان كومار الأدبي ـ مناصفة ـ في العام نفسه. ثم أصدرت روايتها الثانية «رايات سود» عام 2018. وللقاسمي نشاط كبير في الوسط الثقافي التونسي، من خلال المشاركة في الندوات والمحافل الثقافية. وبمناسبة صدور عملها الروائي الثالث «الفرناق» كان الحوار التالي..

هل تعد الرواية أكثر صدقا ودقة في رصد الواقع الاجتماعي التونسي من الإعلام الحكومي؟

منذ نشأة الرواية كجنس أدبي وهي تحمل هموم المجتمع وترصد تفاصيل الحياة، وترسم صورا كأنها كاميرا لما يدور في العالم، وفي المجتمع الخاص بالكاتب، سواء كان تونسيا أو عربيا أو أوروبيا. لذا يمكن أن نقول إنها تؤرخ وترصد وتتجاوز الفعل الإعلامي – الذّي يكتفي بالرّصد – إلى إضفاء متعة أدبية على الحدث.

في روايتك «المصب» أبرزت عالم المهمشين المنسيين في حسابات السياسة والساسة، وكذلك في «الفرناق» قدمت من هم خلف النار، يقدمون الراحة لغيرهم ولا يجدونها لأنفسهم… اختيارك لهذه العوالم كيف جاء؟

منذ رواية «المصب» آليت على نفسي الاهتمام بالإنسان المهمش وعوالمه وقضاياه. وجدت صوته لا يصل، ولا أحد يهتم به محورا للأحداث والحكاية، وفي عالم المهمش من الحكايات ما يملأ روايات كثيرة. كانت «المصب» انتصارا للعاملين في مصبات القمامة، ثم «رايات سود» التي اهتمت بمعاناة سكان الأحياء الشعبية، فالفرناق الذي اهتم بمهنة «الفرانقي» أو وقّاد الحمّام، التي اندثرت تقريبا بعد تحديث الحمامات وربطها بالكهرباء.

وماذا عن الرمز في «الفرناق» ودلالاته؟

كل رواية هي حمّالة أوجه، وكل قارئ سيراها حسب رؤيته الخاصة وقراءته.. طبعا فيها ما فيها من رموز لا يمكن التصريح بها، بل تبث في مفاصل اللغة والحبكة، لأن الفعل الأدبي يقوم على الإيحاء والتورية، وإلا أفقدته المباشرة كلّ لذته.

الرسائل التي تحملها أعمالك ألا يؤثر فيها انتماؤك الأيديولوجي؟

مهما حاول الروائي أن يكون موضوعيا، إلا أنه سيسقط أفكاره وتوجهاته على نصه واعيا أو غير واع، ومع ذلك أنا ضد الخطاب التوجيهي في النص الأدبي، يمكن للقارئ الفطن أن يكتشف من خلال بعض تفاصيل النصوص الأدبية فكر الكاتب، وانتصاره لقضايا ما.

وهل اختيار مكان الرواية يفرضه الحدث وتاريخه أم يتعلق بارتباطك بالمكان؟

الأطر المكانية تفرضها الرواية ويمكن أن يسقط عليها الروائي بعضا من تفاصيل أطر مكانية يعرفها. يمكن أن تكون أطرا متخَيّلة لا علاقة للكاتب بها. الرواية عالم متفرد تُصنع له الأمكنة، وتخلق من أجله الشخصيات وتدور من أجله عقارب الأزمنة التي لا تشبه أزمنتنا، وإن كانت تتشبه بها.. قد تكون المُشتهى والمنشود عند الكاتب.

هاجس البحث عن هوية للرواية التي تكتبينها (تونسية) أم عربية هل يشغلك؟

الرواية انطلاق نحو الإنسانية، دون تحديد جغرافي أو قومي. هاجسي أن تمس الإنسانيّ في كل قارئ أينما كان ربّما تنطلق من تربة وشخوص وواقع تونسي في تأطيرها، لكنني أريدها أن تمد فروعها إلى مدى أوسع. هذا هاجس كل كاتب، وقدر الرواية أن تجنّح نحو الآخر مهما كانت هويته لتوصل إليه فكرة وقضيّة، أو تغيّر نظرته نحو أمر ما.. توسّع أفقه وتنير له ركنا معتما.

وماذا عن موقفك من النقد؟

الناقد هو قارئ مختلف نوعا ما عن القارئ العادي. وقد يكون متمكنا وقد لا يكون، لذا على الكاتب أن ينتبه لما لاحظه الناقد ويأخذ بما يراه موجِّهاً، مضيفاً مساعداً على مزيد من التميّز في السّرد، لكن بعض النقاد لا ينطلق من أرضية موضوعية، بل يبني ملاحظاته انطلاقا من علائقية خاصة تربطه بالكاتب، تنبني من خلالها الرؤية النقدية فتكون القراءة عاشقة، أو تكون هادمة، وكلاهما خال من الدقة والموضوعية اللتين يجب أن يتحلى بهما النقد، لذلك الاحتكام لا يكون نهائيا، بل حسب صحّة النقد ودقته، فلا يكون مجرد مجاملات أو مجرد انتقادات لا غير.

أمام هذا الكم المتلاحق من الهزائم العربية، هل يمكن أن تنتج الرواية بطلا يحمل انتصارا مقبلا أو يبشر على أقل تقدير بمستقبل أفضل؟

الأمة العربية تحتاج بطلا فعليا.. أبطال الورق يولدون كل يوم في رواياتنا ويموتون بين دفتيها.. نحتاج أبطالا حقيقيين يحملون قضايا الأمة بين ضلوعهم ويغيرون الواقع للأفضل. نحن نحتاج شعوبا بطلة قادرة على التخلص من الإحساس المتواصل بالفشل والهزيمة، ليتغير نمط الحياة ككل، وبالتالي يمكن يومها أن نكتب بتفاؤل وبحماس وتخلق الرواية أبطالاً متميزين يرسخون في الذاكرة.

ما رأيك بمستوى الرواية العربية، والرواية التونسية بعد عام 2011؟

تتميز الرواية تونسيا وعربيا يوما بعد يوم وهي في نسق تصاعدي نحو إنتاج نص متفرد لمراهنة الروائي على مواصلة البناء والحركة السّردية المطّردة، دون توقف ودون ربطها بتزمين معيّن. ربما بعد الثورة فتحت أجنحة الروائي في عوالم أكثر اتساعا وحرية، وأصبح في متناوله الخوض في ثيمات أكثر كانت مسكوتا عنها ودون خوف من رقيب سياسي.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي