هل أصبح الناتو عبئًا على واشنطن؟

الأمة برس - متابعات
2022-08-09

هل أصبح الناتو عبئًا على واشنطن؟ (ا ف ب)

عبدالرحمن النجار

نشرت مجلة «فورين بوليسي» مقالًا لجستن لوجان، باحث في معهد كاتو الأمريكي، يذكر أنّه على مدى عقود كان هنالك اعتقاد سائد في السياسة الخارجية الأمريكية، أن حلف «الناتو» يمثل قيمة هائلة للولايات المتحدة، كما كتب الدبلوماسي الأمريكي السابق ويليام بيرنز في مذكراته عن أنّ توسيع الناتو «ظل مسألة ثابتة في السياسة الأمريكية، بعد فترة طويلة من إعادة تقييم منطلقاته الأساسية. وكان القصد الأساسي من التزاماته أن تعكس المصالح بحد ذاتها».

هل انتهت صلاحية الناتو؟

بالنسبة لبيرنز، أحد الأشياء التي تحدث مع الإجماع غير المدروس هو أنّ الحجج المؤيدة له، تفشل في الصمود أمام ما يدحضها. ويشير كاتب المقال إلى مقال نشرته الباحثة كاثلين ماكينيس في مجلة «فورين بوليسي» تحاجج أنّ أمريكا لا تزال بحاجة إلى الناتو.

يقتبس الكاتب من مقالة كاثلين كلامها أنّ الناتو هو الجذر الرئيسي لـ«الازدهار الاقتصادي الهائل، والحرية التي يتمتع بها الأمريكيون. ولا يقتصر الأمر على الازدهار والحرية فحسب، بل إن توفير الأمن للأوروبيين يسمح للولايات المتحدة بوضع أجندة الأمن الدولي، ويعزز مصداقيتها في آسيا، وساعد في تسهيل حروب واشنطن بعد 11 سبتمبر، وفي التعامل مع مهام مكافحة القرصنة خارج الولايات المتحدة. ومشكلات القرن الأفريقي، والصين، وتغير المناخ، والتقنيات التخريبية المتقدمة، بالإضافة إلى مكافحة المعلومات المضللة، والاستجابة للأوبئة، والهجرة، والإرهاب».

يؤكد الكاتب أن البعض يجادل بأن دعم العمليات الأمريكية في الشرق الأوسط الكبير بعد 11 سبتمبر كان أمرًا سيئًا، فقد أهدرت الولايات المتحدة 8 تريليون دولار، وآلاف الأرواح، وحوالي عقدين في العراق وأفغانستان. أي شيء سهّل الذي حدث، يجب اعتباره عنصرًا سلبيًّا.

لكن هناك مشكلة أكبر، فالناتو ليس معنيًا بالاستجابة الوبائية، أو مكافحة القرصنة. فهو لا يمتلك قدرات ولا سلطة ولا ملاءمة لهذه القضايا. وحلف الناتو هو تحالف عسكري من الطراز القديم. ومهما كانت مشكلة الهجرة أو المعلومات المضللة كبيرة، فإن التحالف لم يُصمم للتعامل معها.

لم ترد هذه المشاكل ضمن المعاهدة الأصلية لإنشاء الحلف، بل ظهرت فقط في الوثائق الرسمية الحديثة، بما في ذلك المفهوم الإستراتيجي (Strategic Concept) الذي أصدره الناتو. يروج الناتو لنفسه بالعديد من الأشياء، لكنه بموجب المعاهدات، والبيروقراطية، يعدُّ تحالفًا عسكريًّا مكرسًا لأمن أعضائه.

ماذا تستفيد واشنطن من الناتو؟

يسهب الكاتب القول أنّه بالنظر إلى أصول حلف الناتو باعتباره تحالفًا عسكريًّا يهدف إلى ردع العدوان السوفيتي، يجب أن نسأل أنفسنا: مع خروج السوفييت، وسقوط الألمان، لماذا ناضلت الولايات المتحدة بقوة للبقاء فيه بعد الحرب الباردة؟

والإجابة بسيطة: لقد كان الناتو وسيظل دائمًا وسيلة للحفاظ على الولايات المتحدة بوصفها لاعبًا أمنيًّا مهيمنًا في أوروبا. إن وجود خلافات أكثر حدة حول هذه الفكرة في خمسينيات القرن الماضي مما هو موجود اليوم، يدل على عدم وجود نقاشات حول الأمر في واشنطن اليوم.

حتى تقرير معهد راند الذي تستشهد به ماكينيس لدعم فكرة «الدفاع في العمق» في أوروبا، يشير إلى أن قادة الولايات المتحدة تبنوا المفهوم فقط على مضض، خوفًا من أن «يكون الحلفاء أضعف من احتواء الاتحاد السوفيتي بمفردهم». وكما يلاحظ التقرير، فإن الألوية الأربعة التي وافق الكونجرس على إرسالها إلى ألمانيا عام 1950 «لم يكن القصد منها البقاء هناك إلى أجل غير مسمى، بل كان من المقرر سحب القوات الأمريكية عندما تتعافى أوروبا الغربية بشكل كافٍ لتكوين رادع تقليدي خاص بها».

كانت أوروبا الغربية تعافت بشكل كافٍ، لاستخدام رادعها التقليدي بعد أقل من عقد من الزمان. وبحلول عام 1959، عكست مذكرة الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور استياءه بسبب: «محاولة الأوروبيين الآن اعتبار هذا الانتشار بمثابة التزام دائم ومحدد. نحن نحمل عمليًّا كل ثقل قوة الردع الإستراتيجية، ونقوم أيضًا بأنشطة فضائية وبرامج ذرية. لقد دفعنا مقابل معظم البنية التحتية، ونحتفظ بقوات جوية وبحرية كبيرة بالإضافة إلى ستة فرق. وهو يعتقد أن الأوروبيين قريبون من جعل العم سام يبدو مغفلًا؛ طالما استطاعوا إثبات حاجتهم إلى المساعدة الطارئة، لكن هذا الوقت قد مضى».

واشنطن وحماية أوروبا

يطرح الكاتب السؤال التالي: هل يجب على الولايات المتحدة أن تكون حامية أوروبا إلى الأبد؟ ويكمل فيقول بأنّ التطورات الأخيرة في أوروبا، التي حفزها الغزو الروسي لأوكرانيا، تثبت عكس ذلك.

فكلمة «Zeitenwende» الألمانية (التي ترجمت رسميًا على أنّها «نقطة تحول» ولكن معناها أقرب إلى «حقبة جديدة») لم يكن من الممكن تصورها تقريبًا قبل ستة أشهر. فلم تكتف برلين بإلغاء خط أنابيب نورد ستريم 2 فحسب، بل أنشأت أيضًا صندوقًا بقيمة 100 مليار يورو (107 مليار دولار) لتعزيز دفاعها، والتزمت بعد ذلك بإنفاق 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، وقدمت بولندا وعدة دول أخرى تعهدات مماثلة لزيادة الإنفاق.

ولكن كما قال عالم السياسة باري بوزين في لجنة حديثة لمعهد كاتو، هناك سبب للقلق من أن هذه التعهدات لن تتحقق. واندفعت الولايات المتحدة وأرسلت 20 ألف جندي أمريكي إضافي إلى أوروبا لطمأنة حلفائها في الناتو، وأنّ الجانب السلبي للطمأنة هو أنه عندما تطمئن بما فيه الكفاية، فمن المرجح أن يصدقك حلفاؤك وقد لا يفعلون المزيد للدفاع عن أنفسهم. يبدو من المرجح أن الأوروبيين، الواثقين من حماية أمريكا، سيعودون إلى العمل كالمعتاد في أوروبا.

فعلى سبيل المثال، كما يُظهر عمل جينيفر ليند في اليابان، فإن طوكيو بذلت جهودًا أكبر نسبيًا للدفاع عن نفسها فقط عندما شعرت أن الولايات المتحدة لن تساعدها كثيرًا. في هذه الحالة، قدم الغزو الروسي لأوكرانيا العلاج بالصدمة لتقييم التهديدات الأوروبية، وإن تصدر الولايات المتحدة لحماية أوروبا قد يعيد اللامبالاة والتقاعس عن العمل.

في عام 2022، لم يكن حلفاء الولايات المتحدة أضعف من أن يتمكنوا من احتواء روسيا بمفردهم. إنهم ببساطة يرفضون القيام بذلك انطلاقًا من اعتقاد راسخ بأن الولايات المتحدة ستفعل ذلك من أجلهم، وبالتالي سيستفيد شعبهم من إنفاق أموال الضرائب الخاصة بهم على الأولويات المحلية. لا تستطيع الولايات المتحدة الحفاظ على دورها كحجر زاوية للأمن الأوروبي بينما تتنافس بنجاح مع الصين الصاعدة بقوة.

لا يزال المديح في حلف الناتو رائجًا في واشنطن، لأنه يُنظر إليه على أنه رخيص. لكنه ليس كذلك، فقد بدأ تقييد الموارد يظهر إلى السطح. فميزانية الدفاع، التي تضخمت بالفعل إلى 847 مليار دولار، لن تتجه إلى تريليون دولار أو أكثر في أي وقت قريب.

يضيف الكاتب أنّ الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة على المشهد الأمني ​​الأوروبي، نوع من الرفاهية لا تحتاجه الولايات المتحدة في عام 2022، فقد خاضت واشنطن حربين لمنع ظهور هيمنة أوروبية في القرن العشرين. ولا توجد هيمنة أوروبية محتملة في الأفق في الوقت الحاضر. على الرغم من كل صخب روسيا، فإنها تكافح من أجل المشاركة حتى في جزء من جار أصغر بكثير وأفقر، ​​ناهيك عن الاحتفاظ بها، وحان الوقت لتحقيق الانتصار.

ويختم الكاتب أنّه لهذه الأسباب، فمن المحتمل أن يبدأ دعاة حلف الناتو اعتباره تحالفًا دائمًا أثناء تفكيرهم في «الخطة ب»، وليس الإعلان عن التحالف كعلاج لجميع المشكلات، بما في ذلك تغير المناخ، والقرصنة، والمعلومات المضللة. أوروبا غنية وقوية بما يكفي للدفاع عن نفسها. لكن الأوروبيين لن يفعلوا ذلك ما لم تتوقف الولايات المتحدة عن فعل ذلك من أجلهم.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي