معاناة الاقتصاد المصري.. هل ينتظر المصريون تدابير تقشفية قاسية؟

الأمة برس - متابعات
2022-08-05

هل ينتظر المصريون تدابير تقشفية قاسية (أ ف ب)

نشر مركز «ستراتفور» الأمريكي للدراسات الأمنية والإستراتيجية تقريرًا سلَّط فيه الضوء على حجم الضغوطات التي تُخلِّفها حرب روسيا في أوكرانيا على الاقتصاد المصري، مشيرًا إلى احتمالية أن يؤدي استمرار الأزمة الأوكرانية إلى تزايد أعباء العائلات المصرية، ومن ثم تنامي الاستياء الشعبي في البلاد ضد الحكومة المصرية.

استهل المركز تقريره بالإشارة إلى أن سيطرة الحكومة المصرية القوية على مقاليد الحكم في الوقت الراهن وخططها الرامية إلى زيادة الإنفاق على البرامج الاجتماعية، ستمنع، على الأرجح، انزلاق الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد إلى هُوَّة اضطرابات جماعية واسعة النطاق.

ولكن إذا استمرت التداعيات الناجمة عن الأزمة الأوكرانية في استنزاف موارد البلاد المالية، فقد تضطر القاهرة في نهاية المطاف إلى تنفيذ تدابير تقشفية قاسية، مما يُنذر بخطر نزول الشعب إلى الشوارع وتنظيم احتجاجات واسعة، ويأتي ذلك في ضوء تأثر مصر البالغ، حالها في ذلك حال عديدٍ من الدول النامية، بصدمات ارتفاع أسعار السلع الناجمة عن الحرب التي تشنها روسيا حاليًا في أوكرانيا.

تأثير مشترك

يُوضِّح التقرير أن الجنيه (العملة المصرية) سجَّل، في الأول من أغسطس (آب)، انخفاضًا غير مسبوق، إذ سجلت قيمته 19 جنيهًا مِصريًّا لكل دولار أمريكي واحد، وكان معدل التضخم العام في مصر، بما في ذلك أسعار المواد الغذائية، قد انخفض انخفاضًا طفيفًا في شهر يونيو (حزيران) مقارنة بالشهر الذي سبقه بسبب ما شهدته أسعار المواد الغذائية من تراجعٍ طفيفٍ، إلا أن الأسعار الاستهلاكية في البلاد لا تزال أعلى مما كانت عليه قبل أن تشن روسيا حربها ضد أوكرانيا في فبراير (شباط).

وأدَّى التأثير المشترك لارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة المصرية مؤخرًا إلى زيادة حجم الأعباء المالية التي يعاني منها المصريون من جميع الفئات الاجتماعية، ويُذكِّر التقرير بأن البنك المركزي المصري خفَّض قيمة الجنيه المصري، في 21 مارس (آذار)، لكي تكون صادرات البلاد أكثر قدرة على المنافسة ومن أجل حماية احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية من النفاد.

ولكن تخفيض قيمة العملة المصرية أفضى كذلك إلى ارتفاع كلفة معيشة العائلات المصرية، ما كشف عن مستوياتٍ متزايدةً من التوتر الاقتصادي خلال النصف الأول من العام الجاري، وفقًا لما أظهره عدد من الشواهد غير الرسمية والتقارير الإعلامية، وقد زاد معدل التضخم الأساسي في مصر إلى 14,6% في يونيو الماضي مقابل 13,3% في مايو (أيار) الماضي، ويُعد هذا أعلى معدل تضخم أساسي تشهده البلاد منذ عام 2017.

وسيظل اقتصاد مصر عرضةً للأزمات الاقتصادية في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا، مما يُؤدي إلى تقليص احتياطيات القاهرة من العملات الأجنبية تدريجيًّا بسبب زيادة تكلفة الواردات وانخفاض إيرادات السياحة، وإثارة مخاوف المستثمرين الأجانب، وتسبب انخفاض قيمة الجنيه المصري في زيادة تكلفة السلع المستوردة (مثل الغذاء والوقود)، مما فاقم من صدمات ارتفاع أسعار السلع الأساسية التي خلَّفتها الحرب في أوكرانيا.

وتشمل التداعيات الناجمة عن استمرار الحرب في أوكرانيا أيضًا انخفاض عدد السياح الأوكرانيين والروس والأوروبيين الذين كان من المقرر أن يزوروا مصر خلال الأشهر الأخيرة، مما حرم القاهرة من مصدرٍ أساسي للعملة الأجنبية، خاصةً أن ما يُقدر بحوالي 30% من السياح الذين زاروا مصر، قبل الحرب، كانوا من روسيا وأوكرانيا.

وفي الوقت نفسه، سحب عدد من المستثمرين الأجانب حوالي 20 مليار دولار من السوق المصرية هذا العام، في ظل ارتفاع أسعار الفائدة عالميًّا، وقد أثَّرت هذه الخسائر في عائدات السياحة ورأس المال، بالإضافة إلى زيادة تكلفة الواردات، تأثيرًا سلبيًّا في احتياطيات مصر من العملات الأجنبية التي وصلت في نهاية يونيو إلى 33,4 مليارات دولار، بعد أن بلغت حوالي 41 مليار دولار في نهاية فبراير الماضي.

تنامي الغضب الشعبي

يلفت التقرير إلى أن مصر تُعد أكبر مستورد للقمح في العالم، وقبل الحرب، كانت البلاد تحصل على حوالي 80% من وارداتها من القمح من أوكرانيا وروسيا، وكان اعتماد مصر على أوكرانيا وروسيا في الواردات والسياح سببًا في تأثُّر اقتصادها بصورة استثنائية من التداعيات الناجمة عن الحرب بين البلدين، واعتماد مصر على السوق الروسية تحديدًا ربما يُفسر موقفها المحايد من الحرب ورفضها إدانة عدوان موسكو على كييف.

وصحيحٌ أن الأعباء المالية المتزايدة على العائلات المصرية تزيد من حجم الاستياء الشعبي ضد الحكومة، لكن، وعلى الرغم من ذلك، من غير المرجَّح أن تشهد البلاد أي أعمال شغب احتجاجية في الوقت الحالي بسبب سيطرة الأجهزة الأمنية المُحكَمة على الأوضاع في البلاد، ومن ثمَّ يبدو من المستبعد أن تُفضي المظالم الاقتصادية المتنامية حاليًا إلى تأجيج أي مظاهرات جامحة لأن قوات الأمن لن تسمح، على الأرجح، باندلاع أي تظاهرات غير مصرح بها، وسوف تتعامل معها بحزمٍ على نحوٍ فوري.

ويشير التقرير إلى أنه منذ انتفاضات الربيع العربي، لم يعد لدى المصريين رغبة كبيرة في تنظيم احتجاجات شعبية؛ إلا أن تلك الزيادات الطفيفة في تكلفة المعيشة تنطوي على مخاطر تأجيج المعارضة المناهضة للحكومة في مصر، حيث يعيش (30%)، أكثر من ربع السكان بالفعل، تحت خط الفقر.

وبالفعل، بدأ الشعب المصري، خلال الأشهر الماضية، في التعبير على نحوٍ متزايد عن استيائهم من الحكومة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصةً بسبب ارتفاع أسعار تذاكر النقل العام والوقود والغذاء وغيرها من السلع الأساسية، وإذا استمرت الحرب الجارية في أوكرانيا في عَصْفِها بالاقتصاد المصري، فهناك ثَمَّة فرصة (وإن كانت ضئيلة) أن يصل هذا الغضب الشعبي في نهاية المطاف إلى مستويات تتجاوز قدرة الحكومة على احتوائه باستخدام أساليب القاهرة المعتادة.

وفي 13 يوليو (تمَّوز)، رَفَعت الحكومة المصرية أسعار الوقود، البنزين والديزل، مما دفع هيئة النقل العام المصرية بعد ذلك إلى زيادة أسعار تذاكر وسائل النقل العام، وردًّا على ذلك، سرعان ما انتشر هاشتاج #الوقود على منصة «تويتر» في مصر وسط مشاركات غاضبة من ارتفاع الأسعار.

خطط مصرية لكبح جماح التضخم

يُنوِّه التقرير إلى أن خطط مصر الرامية لتوسيع برامج التحويل النقدي واستمرار دعم السلع الأساسية ستؤدي أيضًا إلى الحد من مخاطر حدوث اضطرابات، لأنها ستساعد، على المدى القريب، في التخفيف من وطأة ما يعانيه المصريون من مظالم اقتصادية، وتظهر آخر ميزانية للحكومة المصرية أن البلاد تتأهب لفترة مطولة من زيادة الإنفاق الحكومي لدعم الشعب خلال الموجة الحالية من عدم الاستقرار الاقتصادي، وتُخصص الميزانية المصرية بعض الإعانات للأشخاص الذين يحق لهم الحصول على منح نقدية من خلال برنامج «تكافل وكرامة» الذي أطلقته وزارة التضامن الاجتماعي في البلاد.

وتعتزم القاهرة أيضًا مواصلة دعم بعض السلع للمساعدة في مواجهة تأثير ارتفاع أسعار السلع الأساسية على المستهلكين المصريين، وقبل حرب أوكرانيا، كانت الحكومة تُفكِّر في تخفيض هذه الإعانات (بما في ذلك دعم الخبز والماء والكهرباء)، والتي تمثل عبئًا ثقيلًا على خزانة الدولة.

ولكن في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، ستحاول الحكومة المصرية تجنب مثل هذه الإصلاحات، لإدراكها أن تحميل المصريين، الذين يعانون فعليًّا، مزيدًا من الضغوط التي من شأنها أن تُنذر بخطر تأجيج مزيد من الغضب الشعبي، وهذا صحيح بوجهٍ خاصٍّ عندما يتعلق الأمر بتقليص دعم المواد الغذائية، والتي تُعد مسألة ذات حساسية بالغة من الناحية السياسية؛ لأنها تساعد في الحيلولة دون تعرض المصريين الأشد تأثرًا للجوع.

وينقل التقرير ما قاله رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في مايو الماضي، إن الآثار المباشرة وغير المباشرة للأزمة الأوكرانية ستُكلف مصر حوالي 24,6 مليارات دولار، وأُنفق قدرٌ كبيرٌ من هذه التكلفة المتوقعة على زيادة الإنفاق على البرامج الاجتماعية لمساعدة المصريين على مواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة.

ومن المتوقَّع أن يرتفع الإنفاق الحكومي للعام 2022-2023 بنسبة 15% مقارنةً بالعام السابق، ومنذ عام 1988، يحظى حوالي ثلثي شعب مصر بإمكانية شراء رغيف الخبز المدعوم مقابل 5 قروش فقط (أو حوالي ثلث سنت أمريكي)، وهذا الأمر يُكلف الحكومة المصرية سنويًّا حوالي 48 مليار جنيه مصري (أو حوالي ثلاثة مليار دولار).

ويخلُص التقرير إلى أنه إذا لم تَخِفْ حدة الركود الاقتصادي في مصر خلال الأشهر المقبلة، فستحتاج القاهرة على الأرجح إلى تمويل خارجي لدعم الإنفاق الحكومي، وهو ما قد يتطلب مزيدًا من التدابير التقشفية التي قد تؤدي إلى زيادة الضغوط على العائلات المصرية.

وإذا استمرت الأزمة الاقتصادية الحالية إلى ما بعد نهاية عام 2022، فستجد الحكومة المصرية نفسها، بسبب تأثير تلك الأزمة، أمام خيارات قليلة، والتي ستشمل الاستدانة لكيلا تنفد خزائن الدولة من النقد، ويتضمن هذا السيناريو، على الأرجح، أن تمارس القاهرة مزيدًا من الضغوط للحصول على مساعدات مالية من دول الخليج العربي المجاورة، بالإضافة إلى الحصول على تمويلٍ خارجي من مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي (IMF).

ويُرجِّح التقرير أن تساعد الاستثمارات، التي تضُخها الإمارات العربية المتحدة في الشركات المصرية، في تشجيع مصر على التعجيل بخطوة خصخصة الشركات المملوكة للدولة، بما فيها الشركات الموجودة في قطاع الدفاع المصري، وإذا ظلت مصر ملتزمة بمشروعات الخصخصة، فقد تساعد في إثبات حسن نية صندوق النقد الدولي في تقديم المساعدات، مما يشجِّع مصر على بناء قطاع خاص أكثر قوة؛ ومع ذلك، لا تزال اللمسات الأخيرة على أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي تتطلب موافقة القاهرة على تنفيذ بعض الإصلاحات الاقتصادية، مثل تدابير التقشف التي لن تحظَ بالشعبية في الغالب.

وعلى الرغم من أن المحادثات الجارية بين صندوق النقد الدولي ومصر تشير إلى وجود فجوة بين الجانبين بشأن وتيرة تنفيذ هذه الإصلاحات ومداها، فقد أبدت إدارة السيسي الحالية من قبل استعدادها لزيادة الضرائب وتخفيض الإعانات، على الرغم من معرفتها بحجم الأعباء المالية الناجمة عن مثل هذه الإجراءات على العائلات المصرية، وإذا استمرت أزمة أوكرانيا في استنزاف موارد مصر المالية، فهناك فرصة أن تفرض القاهرة مثل هذه التدابير مرةً أخرى من أجل الحصول على مزيد من تمويل صندوق النقد الدولي.

ويختم المركز الأمريكي تقريره بالإشارة إلى أن صندوق النقد الدولي ومصر يعقدان مفاوضات منذ مارس الماضي، وفي مذكرة صدرت يوم 26 يوليو لتقييم برنامج القروض الاحتياطية لعام 2020 بقيمة 5,2 مليارات دولار بين الصندوق والحكومة المصرية، شدَّد صندوق النقد الدولي على ضرورة أن تُحرِز مصر «تقدمًا ملموسًا» في الإصلاحات المالية والهيكلية من أجل «تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد، وتحسين نظام الحكم وتعزيز قدرتها على الصمود في مواجهة أي صدمات»، وذلك حتى يتنسى لها في نهاية المطاف الحصول على مزيدٍ من الدعم المالي من صندوق النقد الدولي.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي