"اكتشاف البطء".. سيرة روائية لتشكيل الزمن

2022-08-02

أن يحاول الأدب تأصيلَ مفهوم عصر السرعة الذي طغى على حياتنا، وأن نجد له جذراً تمكنُ العودة إليه، أو حتّى ضدّاً نكتشف من خلاله معنى ديمومة الوقت، وكيفَ يؤثّر فينا ونتحرّك فيه... هذا هو الإطار العام الذي تتناوله رواية "اكتشاف البطء" للروائي الألماني ستِن نادولني (1942)، والتي تصدر ترجمتُها العربية قريباً بتوقيع سمير جريس عن "دار أطلس".

صدرت الرواية بدايةً عام 1983، إلّا أنّها كُتبت في مرحلة أبكر من ذلك بسنوات، وسبق أن قرأ صاحبها فُصولاً منها في عدد من المسابقات الأدبية، لكنّه كان يرفض مبدأ التنافس الشكلي في مجال الأدب، الأمر الذي دعاه لتوزيع قيمة الجائزة على باقي المتنافسين، وهذا ما طبع شخصه بحسٍّ بعيد عن الالتزامات النمطية التي تفرضها المؤسّسات الثقافية.

تنطلق الرواية من جوٍّ سِيَري؛ إذ تكتب قصّة حياة جون فرانكلين (1786 - 1847)؛ البحّار الإنكليزي الذي تمكّن من اكتشاف القطب الشمالي، ولكن ما علاقة ما سبق بمفهوم البطء؟ وكيف يمكننا العودة من خلال السيرة الذاتية إلى اكتناه طبيعة الزمن والأشياء من حولنا؟

بالالتفات إلى الزمن الذي عاش فيه فرانكلين، يضع الكاتبُ قارِئه في زمن الثورة الصناعية التي عاشتها أوروبا أواخر القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر، وفي هذا عودة نحو التأصيل، أو محاولة في ذلك على أقل تقدير. إذ كانت تلك المرحلة هي بدايات صعود زمن الآلة التي من خلالها استطاع الإنسان اجتياز الأمكنة في زمن أقصر، ومن تلك العتبة بدأ المفهوم يخترق حيواتنا بتفاصيلها الدقيقة.

ولكنّ بطل الرواية، بصفاته الشخصية والنفسية، لا يُقدَّم كأمثولة عن السرعة بل عن البطء، وعلى هذه المفارقة يبني العمل حدوده السردية. وبقدر ما يضغط أسلوب العصر حينها على فرانكلين حتى يجعله على صورته، إلّا أنّ البحّار والمستكشف يبقى مطمئناً لما هو عليه، صراعٌ لا يخلو من الشعور بالخيبة أحياناً من أن يكون المرء ضدّاً لهيئة الزمن الذي يعيش فيه، لكنّه مع ذلك يجاهد ببطئه الذي يجدُ فيه سلامه الداخلي.

تأتي راهنية الرواية اليوم من كون السرعة التي تعرَّض لها فرانكلين تبقى بحدودها الدنيا لو قارنّاها بما نتعرّض له في يومنا هذا، وأنّ عصر السرعة الذي بدأ مع الثورة الصناعية، يبدو بحدّ ذاته بطيئاً مقارنةً مع ما نعيشه مع الثورة التكنولوجية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي